التصنيف: قانون العقوبات الخاص

  • الاحتيال عن طريق  استعمال اسم مستعار أو صفة كاذبة مع أمثلة

    هذه الوسيلة الخامسة والأخيرة من وسائل الاحتيال التي عددتها المادة 641.

     ولا يشترط المشرع لتوافرها سوى استخدام المحتال لاسم مستعار أو لصفة كاذية.

     أي أن الكذب بالاسم أو الصفة الذي يؤدي إلى حمل الغير على تسليم المال يعتبر كافيا لقيام هذه الوسيلة دون اشتراط تدعيم هذا الكذب بمظاهر خارجية .

     إلا أنه يشترط لتحقق الاحتيال بهذه الوسيلة أن لا يكون الادعاء واضح الكذب بحيث يتبين حقيقته الشخص العادي. فإذا ادعى شخص أنه تاجر كبير وطلب مالا من شخص ليستثمره له، وكان ملبسه ومظهره لا يتفقان بحال مع صفة التاجر، فإن فعل هذا الشخص لا يعتبر احتيالاً حتى ولو استطاع الحصول على مال من هذا الشخص.

     كما يشترط أيضاً أن يأتي الشخص فعلا إيجابياً بأن ينتحل الاسم أو الصفة الكاذبة، أما إذا ترك المجني يعتقد خطأ في صفة ليست له، أو كانت له وزالت عنه، وتمكن بذلك من الحصول على مال الغير فإن جريمة الاحتيال لا تقوم في حقه، ويبقى الخلاف بينه وبين المجني عليه عند قبض المال و عدم إنجاز ما وعد به أو تلكأ في إنجازه مدني الصفة لا عنصر جزائي فيه”.

    1- الاسم المستعار

    الاسم المستعار هو كل اسم غير الاسم الحقيقي للفاعل.

    وسواء كان ذلك الاسم الشخص حقيقي أو لشخص خيالي لا وجود له، وسواء كان الاسم كله كاذبة أو بعضه فقط، وسواء لقي التحريف الاسم الأول أو الثاني أو اللقب.

     فيعتبر مرتكباً للاحتيال بهذه الوسيلة من ينتحل اسم عائلة أو لقبها.

     إلا أن اسم الشهرة لا يعتبر من الأسماء المستعارة ولو اختلف إلى حد كبير عن الإسم الحقيقي للشخص، لأن اسم الشهرة هو اسم يثبت لصاحبه با لاستعمال، فهو إذن اسم غير مستعار.

     ولا ترتكب جريمة الاحتيال كذلك بهذه الوسيلة في حالة تشابه أو تطابق اسم المدعى عليه مع اسم شخصية معروفة، فانتحل هذه الشخصية وترتب على ذلك تسليمه مالا بناء على ذلك الاسم.

     فالفاعل هنا لم يستعمل اسماً مستعاراً، بل استعمل اسمه الحقيقي. إلا أن الفاعل هنا يسأل عن جريمة الاحتيال باستعمال الدسائس لأنه انتحل شخصية الغير ودعم كذبه بسظهر خارجي هو تطابق أو تشابه الأسماء.

    2- الصفة الكاذبة

    يراد بالصفة المركز الذي يشغله شخص بين الناس بمقتضى وظيفته أو مولده أو حرفته.

    ويتمثل استعمال الصفة الكاذبة بانتحال لقب أو وظيفة أو مهنة أو رتبة أو قرابة، أو أية صفة توحي بالثقة دون مطالبة مدعيها تقديم دليل يثبت صحتها .

     أما الصفات التي تتطلب تقديم ما يثبت تمتع الشخص بالصفة التي يدعيها فإن مجرد الادعاء الكاذب يحمل تلك الصفة لا تتحقق به وسيلة استعمال صفة كاذبة، ولا تقوم معه بالتالي جريمة الاحتيال.

    ولما كانت الصفات التي اعتاد الناس على عدم تطلب دليل يثبت صحتها عديدة لا تقبل الحصر، فنذكر منها صفة الطبيب والمحامي والمهندس والضابط والموظف والتاجر .

     فمن يدعي كذبة إحدى هذه الصفات وأمثالها ويحمل الغير على تسليمه مالاً يرتكب جريمة الاحتيال.

     أما الصفات التي تتطلب تقديم ما يثبت صحتها، فمثالها صفة الدائن والمالك وبلوغ سن الرشد. فمن يدعي كذباً أنه دائن ويطلب الوفاء بما يدعي من دين، أو يدعي أنه مالك لما يحوزه الغير وهو ليس كذلك، ويطلب تسليمه إليه، أو يدعي أنه راشد في حين أنه قاصر ليحمل الغير على التعاقد معه أو على إجراء تصرف قانوني يسلمه بموجبه ما، ففي هذه الفرضيات لا يرتكب مدعي الصفة جريمة الاحتيال إذا اعتقد الغير في ادعائه وسلمه ما، لأنه كان يجب على من سله المال أن يطالبه بتقديم الدليل الذي يثبت حمله لإحدى هذه الصفات.

    فهذه الصفات هي من النوع التي اعتاد الناس على تطلب دليل يثبت صحتها، فإذا قصر الشخص في ذلك فيكون قد قصر في حق نفسه.

    بيد أن هذه الادعاءات قد تندرج ضمن وسيلة استعمال الدسائس إذا أيدها الشخص بمظاهر خارجية.

    كما لو وضع القاصر لحية وشاربأ مستعاراً ليبدو أكبر سناً ويستطيع بذلك حمل الغير على تسليمه مالاً.

     أو أبرز مدعي صفة الدائن سندا مزورة مطالبة باستيفائه.

     أو أبرز المالك سنداً مزورة يثبت ملكيته للشيء الذي يطالب بتسليمه له.

     وتجدر الإشارة أخيرة إلى أن الصفة تكون كاذبة إذا كانت غير ثابتة للشخص وقت ادعائها، سواء لأنها لم تثبت له أصلا، أو لم تثبت له بعد، أو كانت ثابتة له ثم زالت عنه.

  • الاحتيال عن طريق التصرف بأموال بغير صفة

    هذه هي الوسيلة الرابعة من وسائل الاحتيال الواردة في نص المادة 641، والتي عبر عنها بقوله:

     “أو بتصرفه بأموال منقولة أو غير منقولة وهو يعلم أن ليس له صفة للتصرف بها”.

    وباعتبار أن الاحتيال في أصله يعتمد على الكذب فإنه يفترض في هذه الطريقة أن يكون الفاعل قد أقدم على التصرف بالمال وهو يزعم أن له صفة للتصرف فيه، كمالك أو كنائب عن المالك.

    وبناء على ذلك إذا اعترف المتصرف بالمال للمتصرف إليه بأنه لا يملك على الشيء سلطة التصرف به، فإن هذا التصرف لا يعد احتيالاً حتى ولو استولى المتصرف على مقابل مالي، لأن المتصرف لم يكذب، ولأن المتصرف له لم يخدع. والذي يميز هذه الوسيلة عما سبقها من وسائل أن المشرع يكتفي فيها بالكذب المجرد دون اشتراط تأييد هذا الكذب مظاهر خارجية .

     والملاحظ أن المشرع لم يكن موققا باشتراطه العلم بعدم وجود الصفة ضمن صيغة النص. فالجرم يقع بمجرد التصرف بمال ليس للمتصرف صفة للتصرف فيه، أما العلم فهو أحد عناصر الركن المعنوي للاحتيال، والمشرع بذلك يكون قد أقحمه في الوسيلة وهي من عناصر الركن المادي.

     لذلك كان أولى بالمشرع إغفال ذكر عبارة العلم هنا باعتبار العلم مطلوب حتماً في الركن المعنوي للجريمة.

     فالمالك الذي يتصرف بماله دون أن يعلم أن هناك سبباً قانونياً يمنعه من ذلك لا يرتكب جرم الاحتيال لغياب الركن المعنوي.

     ويثار التساؤل هنا عن تحديد المجني عليه بجرم الاحتيال باستعمال هذه الوسيلة، أهو المتصرف إليه، أم المالك الأصيل للمال، أم الاثنين معاً؟

     إن المجني عليه في هذه الوسيلة ليس سوى المتصرف إليه فقط. أما مالك المال الذي كان محلاً للتصرف فلا يعتبر مجنياً عليه في جريمة الاحتيال هذه، ولكنه قد يكون مجنياً عليه في جريمة أخرى، قد تكون سرقة أو إساءة ائتمان، وقد تكون جريمة احتيال مستقلة.

    فإذا كان المحتال قد سرق المال من المالك وتصرف به للغير، فهو سارق بمواجهة المالك ومحتال بمواجهة المتصرف إليه.

     أما إذا كان المال موجود تحت يده على سبيل الأمانة فتصرف به، فهو مسيء للائتمان بمواجهة المالك، ومحتال بمواجهة المتصرف إليه.

     أما إذا كان قد استولى على المال بالحيلة والخداع من مالكه ثم تصرف به، فهو يرتكب جريمتي احتيال مستقلتين، أولاهما ضحيتها المالك، والأخرى ضحيتها المتصرف إليه.

    إذن يشترط لتوافر هذه الوسيلة الاحتيالية شرطين:

    – التصرف بمال منقول أو عقار. – انتفاء الصفة في التصرف.

    1- التصرف بأموال منقولة أو غير منقولة.

    إن المقصود بالتصرف هنا كل عمل قانوني يتعلق بحق عيني. فقد يكون هذا العمل القانوني ناقلاً للملكية كما في لبيع أو المقايضة أو الهبة بمقابل مادي ، وقد يكون تصرفاً صادرة عن الإرادة المنفردة كالوصية إذا تعلقت بمال ليس للموصي سلطة التصرف فيه وكان يفرض على الموصى له التزاماً بتسليم شيء في حياته.

     كما يجوز أن يكون هذا التصرف متعلقا بحق عيني آخر غير حق الملكية كالانتفاع أو الارتفاق أو الرهن.

    وبناء على ما تقدم يخرج من مجال التصرف الذي يقوم به الاحتيال كل عمل قانوني يتعلق بحق شخصي، لأن الحقوق الشخصية تقتصر على إنشاء موجبات لا حقوقاً عينية.

    فتأجير عقار الغير لقاء أجرة دفعها المستأجر مقدما لا يشكل جريمة احتيال لأن عقد الإيجار لا يعتبر تصرف قانونية في جريمة الاحتيال.

     وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض السورية أنه لا يعتبر تصرف في ملك الغير قيام الوكيل بتأجير مال الموكل بعد عزل وكالته، فالتأجير هذا لا يعد تصرفة قانونية لقيام جرم الاحتيال و إنما يجعل الوكيل المعزول مسئول مدني عن الأضرار التي ألحقها بموكله بسبب ذلك الإجراء الذي صدر عنه بصورة غير قانونية”

    وإذا تحقق التصرف، بالمعنى السالف ذكره، فيستوي بعد ذلك أن يكون محل التصرف ما منقوة أو عقارا، كما يستوي أن يكون المحتال قد سلم المال المتصرف فيه إلى المجني عليه أو لم يسلمه، لأنه ليس من شروط صحة التصرف أن يسلم المحتال ما تصرف فيه إلى المجني عليه، فالتصرف ينعقد قانوناً بالتقاء الإرادتين.

    ولذلك تقع الجريمة تامة ولو لم يحدث التسليم. وبعبارة أخرى إن جريمة الاحتيال تقع بانعقاد هذا التصرف والاستيلاء على المقابل من المجني عليه حتى ولو لم يحدث التسليم .

    2- انتفاء الصفة في التصرف بالمال.

    إن سلطة التصرف بالمال تكون أصلا لمالكه.

     والمالك قد يمارس هذه السلطة بنفسه أو بواسطة نائبه، سواء كانت النيابة قانونية كنيابة الولى، أو قضائية كنيابة القيم أو الوصي، أو اتفاقية كنيابة الوكيل.

    والقاعدة أن تصرف النائب كتصرف الأصيل سواء بسواء.

    – بناء على ذلك فإن تصرف المالك بملكه ينفي جرم الاحتيال، بشرط عدم وجود قيود قانونية على سلطته في التصرف بماله، فإذا كان هناك سبب قانوني يحرم المالك بموجبه من التصرف بماله، ثم تصرف فيه رغم ذلك يكون قد تصرف في مال ليست له صفة التصرف فيه، ومن ثم يرتكب الاحتيال بهذه الوسيلة.

     والمثال على ذلك المدين المحجوز على ماله حجزا تنفيذياً.

     فالقانون يمنع مالك العقار أو المنقول المحجوز عليه حجزا تنفيذيا أن يتصرف به.

    وكذلك المالك الذي آل إليه المال مع تقييد ملكيته بشرط المنع من التصرف حيث يكون هذا الشرط صحيح .

     والمسألة التي تثار هنا تتعلق بمالك العقار الذي يبعه عدة مرات قبل أن يسجل عقد البيع لأي من المشترين في السجل العقاري، فهل تتوافر هذه الوسيلة ويتوافر بموجبها جرم الاحتيال بحقه؟

     إن هذا المالك لا يرتكب جريمة الاحتيال لأن ملكية العقار لا تنتقل قانوناً من البائع إلى الشاري إلا بالتسجيل.

     يترتب على ذلك أن البائع يظل مالكة للعقار وله حق التصرف فيه إلى أن يتم تسجيل عقد البيع، فإذا باع ذات العقار قبل التسجيل لشخص ثان كان البيع صحيحاً، إذا لا يعتبر وارداً على ملك الغير ولا تقوم في حقه بالتالي جريمة الاحتيال لأنه يكون قد تصرف فيما يملك.

    وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض السورية

     “أن بيع المالك عقاره مرة ثانية لا يشكل جرم الاحتيال طالما أن العقار مسجل باسمه في السجل العقاري ولم ينتقل إلى اسم المشتري الأول، والخلاف بين المتعاقدين هنا هو خلاف مدني .

    ولكن إذا اعترفنا بأن مالك العقار الذي باعه بعقد لم يقيد بعد في السجل العقاري لا يرتكب جريمة الاحتيال، بوسيلة التصرف بأموال ليس له صفة للتصرف فيها، إذا باعه ثانية، أفلا يعتبر جرم الاحتيال باستعمال الدسائس قائما بحقه؟

    نعتقد بإمكانية ملاحقة هذا الشخص بجرم الاحتيال باستعماله للدسائس المتمثلة بالكذب المدعم بمظهر خارجي، سواء بصفته كمالك، أو بوجود المنزل في حيازته، أو بتقديمه لسند الملكية كمظهر خارجي مادي يدعم مزاعمه.

    أضف إلى ذلك أن المالك في هذه الحالة يمتنع عليه التصرف بالعقار بعد أن باعه أول مرة بعقد لم يسجل بعد، لأنه ملتزم تجاه المشتري الأول بالامتناع عن إجراء أي تصرف من شأنه أن يعيق تسجيل المشتري الأول و انتقال الملكية إليه، فإذا باع العقار مرة ثانية كان هذا إخلالاً منه بالتزامه المذكور، الأمر الذي يعتبر معه متصرفاً في مال يملكه، ولكن ليس له حق التصرف فيه، فتقوم في حقه جريمة الاحتيال.

    واستطراداً نقول أن البائع حين يتعاقد مع المشتري الثاني قد يكون متواطئاً مع المشتري الأول لسلب أموال المشتري الثاني، حيث يسارع الاثنان إلى نقل الملكية إضراراً به مما يدخل هذا أيضا في إطار استعمال الدسائس.

    – أما بالنسبة للنائب، فكما أشرنا، فهو يعتبر صاحب صفة للتصرف بالمال، وتصرفه به كتصرف الأصيل ذاته، فكلاهما ينتج أثاره القانونية ويرتبها في ذمة الأصيل، حقوقا كانت أو التزامات.

    أما إذا خرج النائب عن حدود نیابته زالت عنه صفته وجاز وقوع الجريمة منه.

     فالوكيل أو النائب الذي انقضت وكالته أو نیابته أو إذا عزل أو إذا خرج عن حدود النيابة ثم تصرف في مال الأصيل يرتكب جريمة الاحتيال.

    وتطبيقا لذلك فإن بيع الوكيل المعزول لعقار موكله بعد عزله يعتبر تصرفا بأموال ليس له صفة للتصرف فيها، ويلاحق بجرم الاحتيال.

    وإذا كان الاحتيال بهذه الوسيلة يتوفر بحق المالك الذي يتصرف بماله بالرغم من وجود سبب قانوني يمنعه من التصرف به، ويتوفر أيضا بحق النائب الذي يتصرف بالمال بعد عزله أو انقضاء نيابته أو وكالته، فمن باب أولى أن يقوم الاحتيال بحق الشخص الذي يتصرف بالمال وهو ليس مالكا له، وليس له حق التصرف فيه، كالمحتال الذي يبيع مال الغير دون أن يكون نائبا عنه .

  • الاحتيال عن طريق التمهيد لظرف أو الافادة منه مع أمثلة

    هذه هي الوسيلة الثالثة من وسائل الاحتيال التي ذكرها نص المادة 641 بعبارة أو بظرف مهد له المجرم أو ظرف استفاد منه.

     والظرف هو الواقعة أو الشيء الذي يربط المحتال بينه وبين أكاذيبه لكي يدعهما به. و الظرف الذي مهد له المجرم أو استفاد منه هو الظرف الذي أوجده غير المحتال، أي الظرف الذي من صنع غيره لا من صنعه هو.

    وبهذا التحديد للظرف يتضح الفرق بين هذه الوسيلة وبين الوسيلة الأولى من وسائل الاحتيال. فإذا كان المحتال في الوسيلة الأولى هو الذي يصنع المظاهر الخارجية التي تدعم وتؤيد كذبه، فالمحتال في الوسيلة الثالثة ليس هو الذي يصنع الظرف ولا يتحكم في إعداده، فهو من صنع الغير وإعداده، لهذا فموقف المحتال منه موقف الممهد له أو المستفيد منه.

    وبرأينا أن هذا الرأي لا يمكن الأخذ به لأنه يجعل النص على الوسيلة الأولى (استعمال الدسائس) والمتعلقة بالمظاهر الخارجية فارغ المضمون ولغو لا فائدة منه.

    ولهذا لا تتحقق الحكمة من إيراد الوسيلة الأولى بصورة مستقلة عن الوسيلة الثالثة إلا بالقول أن المظاهر الخارجية في الوسيلة الأولى هي من صنع المحتال، بينما الظرف في الوسيلة الثالثة هو من صنع غير المحتال.

    والاستعانة بظرف عن طريق تمهيد المجرم له يتحقق بضم المجرم لنشاطه إلى هذا الظرف حتى يتمكن من الاستعانة به لتدعيم أكاذيبه، بمعنى أن الظرف وحده لا يصلح بذاته لإفادته.

    أما الاستعانة بظرف عن طريق الاستفادة منه فتتحقق دون حاجة إلى إضافة أي نشاط ما إليه .

    ومن أمثلة الاستعانة بظرف عن طريق تمهيد المجرم له، أن ينتهز المحتال فرصة مزاد أقيم لبيع مقتنيات تاريخية فيدس بين المعروضات للبيع منقولاته الخاصة.

     أو أن ينتهز فرصة غرق سفينة، وعدم العثور على جثث الكثير من ركابها، فيدس بين المخلفات التي عثر عليها ما يفيد فقدان شخص مؤمن على حياته لصالح المحتال، مع أن هذا  الشخص ما زال حياً ويقيم في دولة أخرى ولم يعلم بما فعله المحتال بشأنه.

     ومن أمثلة الظرف الذي لا يتدخل فيه المجرم بأي نشاط وتتحقق استفادته منه بالحالة التي وجده عليها، وقوف المحتال على مقربة من حفل خيري وطلب التبرع على نحو يوهم الجمهور بأنه يتولى جمع التبرعات ليسلمها للجهة الخيرية التي أقيم الحفل من أجل مساعدتها.

     أو وقوف المحتال على مقربة من مكان مات فيه المعيل الوحيد لعائلة، والطلب من المشاركين في التشييع معونة للأسرة المنكوبة، على نحو يوهمهم بأنه يتولى جمع تلك المعونة الأسرة المتوفي.

  • الاحتيال عن طريق تلفيق أكذوبة أيدها شخص ثالث مع أمثلة عنها

    هذه الوسيلة الثانية من وسائل الاحتيال التي عددتها المادة 641، وعبرت عنها بعبارة

     “تلفيق أكذوبة أيدها شخص ثالث ولو عن حسن نية.

     وكما أشرنا سابقا بأن الوسيلة الأولى، وهي استعمال الدسائس، تشكل النموذج العام للكذب المدعم بمظاهر خارجية، وهذا المظاهر يجب أن تتمثل بأشياء مادية أو بشخص الفاعل نفسه دون سواه.

    أما هذه الوسيلة الثانية فتشكل نموذجاً خاصاً للكذب المدعم بمظاهر خارجية، وهذه المظاهر لا تتمثل إلا بتدخل شخص ثالث.

    ولا ريب في أن الإنسان يتشكك عادة بالمزاعم الصادرة عن شخص واحد، ويزداد تشككه حين يكون من شأن تصديق هذه المزاعم تجريده من بعض ماله.

     إلا أن تدخل شخص أخر يؤيد مزاعم المحتال يجعل من هذه الإدعاءات أقرب إلى التصديق من قبل المجني عليه، لاسيما إذا كان هذا الشخص يبدو محايداً لا مصلحة له من تدخله، أو إذا كان ظاهر الحال يوحي بأنه ليس له مصلحة في الكذب، أو كان يبدو من تدخله الرغبة في الخير أو في تحقيق مصلحة المجني عليه على وجه الخصوص.

    ويشترط لاعتبار الاستعانة بشخص ثالث من وسائل الاحتيال شرطان :

    الأول:

    أن يكون المحتال هو الذي حمل الشخص الثالث على التدخل ودفعه إلى تأكيد أكاذيبه. أما إذا تدخل هذا الشخص تطوعا لتأييد هذه الأكاذيب، فإن هذا التدخل لا يشكل هذه الوسيلة الاحتيالية، ولا تقوم مسئولية الفاعل في هذه الحالة لأن فعله لم يخرج عن حدود الكذب المجرد الذي لا يرقى لمرتبة الوسائل الاحتيالية .

     وعندما يحمل المحتال شخص ثالثاً على التدخل لتأييد كذبه تقوم هذه الوسيلة الاحتيالية سواء أكان الشخص الثالث غريبة حسن النية أو كان شريكا للفاعل.

     وتطبيقاً لذلك إذا أيد شخصان كل منهما الآخر في أنه قادر على استحضار الأرواح ومخاطبة الجن، وأكد كل منهما صحة مزاعم الأخر في أنه قادر على ذلك، فإن هذا التأييد يعتبر من قبيل تدخل شخص ثالث، ويعتبر الشخصين فاعلين أصليين لجرم الاحتيال.

    أما إذا زعم أحدهما هذه القدرة و أيده الأخر مع علمه بكذبه، فالأول فاعل و الثاني شريك.

     أما إذا كان الشخص الثالث حسن النية، وكان هو الأخر مغشوشاً ومخدوعاً بكذب المحتال، فيقوم الجرم على الفاعل ولا يسأل الشخص الثالث.

    إلا أنه يشترط دائما لقيام هذه الوسيلة الاحتيالية أن يكون الشخص الثالث قد تدخل بسعي المحتال وتدبيره وإرادته لا من تلقاء نفسه بغير طلب أو اتفاق.

     والثاني:

    أن يضيف الشخص الثالث بتدخله إلى مزاعم المحتال شيئاً جديداً يجعل هذه المزاعم أكثر ثقة وأحرى بالقبول لدى المجني عليه.

    أما إذا كان هذا الشخص مجرد رسول يبلغ المجني عليه أكاذيب المحتال دون أن يضيف إليها شيئا من عنده، فلا تتوفر بتدخله هذه الوسيلة الاحتيالية لأن تدخله لم يشكل سوى ترديد الأكاذيب الفاعل، ولم يضف شيئا جديدة عليها. لكن الوضع يتغير وتتحقق هذه الوسيلة إذا تجاوز الرسول حدود مهمته وأضاف أقوالا صادرة عنه ولها ذاتيتها المستقلة عن أكاذيب المحتال، مما عزز ودعم هذه الأكاذيب وكان لها تأثير في تصديق المجني عليه لها ووقوعه في حبائل المحتال يتسليمه مالا بناء على هذا التدخل.

    نخلص من ذلك أنه لا بد لقيام هذه الوسيلة الاحتيالية من أن يكون تدخل الشخص الثالث قد حصل بسعي المحتال و تدبيره، وأن يكون هذا التدخل صادرة عن شخص المتدخل وليس مجرد ترديد الأكاذيب المحتال .

    ومتى توفر هذان الشرطان فلا أهمية بعد ذلك للطريقة التي تم بها تدخل الشخص الثالث، فقد تكون مباشرة في صورة القول الشفوي الذي يصدر عن هذا الشخص أثناء حديث المحتال مع المجني عليه، وقد تكون غير مباشرة في صورة الاتصال بالمجني عليه بأية وسيلة كانت بالكتابة أو بالهاتف أو بأية وسيلة اتصال أخرى .

     ويستوي في قيام هذه الوسيلة أن يكون الشخص الثالث مستخدمة لدى المحتال أو أن يكون وكيلا له، أو أن يكون وكيلا للمجني عليه، أو أن لا تكون له صلة بهما أصلاً.

     كما يستوي أن يكون الشخص الثالث حسن النية مخدوعا هو الأخر بأكاذيب المحتال، وسخره المحتال لمصلحته، أو أن يكون سيء النية تدخل إضرارا بالمجني عليه.

  • استعمال الدسائس في جرم الاحتيال مع أمثلة عنها

    لم يعرف المشرع السوري عبارة استعمال الدسائس المعتبرة أكثر وسائل الاحتيال استخداما من قبل المحتالين.

     ويبدو أن المقصود فيها هو استعمال أساليب المكر والحيلة لإضفاء مظهر الحقيقة على كذب يدعيه المحتال بغاية إيقاع المجني عليه بالغلط ودفعه إلى تسليمه مالاً.

    إذن فإن استعمال الدسائس يفترض وجود كذب مدعم بالمكر والحيلة كمظاهر خارجية مستقلة عن الكذب.

     والمثال على ذلك أن يعرض المحتال على المجني عليه آنية نحاسية ويبيعه إياها على أنها آنية ذهبية أثرية.

    فهنا يكذب المحتال ويدعم كذبه بمظهر خارجي، هو مظهر الأنية البراق.

    نستخلص من ذلك أن الدسائس تقوم على عنصرين: الكذب والمظاهر الخارجية التي تدعمه.

    وإذا كان فعل الخداع المشكل النشاط الجرمي للاحتيال قوامه الكذب، كما سبق و أسلفنا، فالجديد الذي يضاف هنا أن الكذب المجرد لا يكفي لقيام الدسائس، بل يشترط فيه لكي يرقى إلى مرتبة الدسائس أن يكون مؤيدا بمظاهر خارجية تضفي عليه الثقة فيصدقه المجني عليه.

    1- الكذب.

     الكذب هو تحريف أو تغيير للحقيقة ينصب على واقعة، أو هو الإخبار بأمر يخالف الواقع.

     و يستوي في هذا المجال أن يكون الكذب شفويا أو مكتوبة، بل يمكن أن يكون الكذب بالإشارة متى كان لها دلالة معروفة فهمها المجني عليه فوقع بناء عليها بالغلط.

     كما لو ادعى مشعوذ قدرته على استحضار الأرواح فأتي بمجموعة من الإشارات والحركات لتأكيد مزاعمه، فنتج عنها وقوع المجني عليه في الغلط، فسلمه مالا لاستحضار روح میت عزيز عليه.

    واستنادا لذلك يمكن تصور أن يكون الشخص الأصم مجني عليه بالاحتيال متى كانت الإيماءات أو الإشارات التي استخدمها المحتال مفهومه له وخدعته ودفعته إلى الوقوع في الغلط الذي سلم بموجبه مالا للمحتال.

     كما يستوي أن يكون الكذب كلياً أو جزئياً.

     فمن يدعي بوجود شركة لديه، وأنها تحقق أرباحاً كبيرة، يعتبر إدعاؤد كاذبة، إذا كانت لديه فعلا شركة إلا أنها لا تحقق أرباحا كبيرة، أو كانت خاسرة.

    وإذا كان الكذب المجرد، وهو نشاط إيجابي، لا يكفي لقيام الدسائس، فالكتمان، وهو موقف سلبي محض، لا يكفي من باب أولى لقيام الدسائس .

     والكتمان يعني أن يمتنع شخص عن تنبيه أخر إلى حقيقة واقعة كان يتوهمها على خلاف حقيقتها، أي أن يمتنع عن إخراجه من غلط وقع فيه.

    وتطبيقا لذلك إذا كتم البائع عن المشتري العيوب الخفية في الشيء المبيع وتوصل بذلك إلى إبرام العقد وحصل على ثمن يزيد بكثير عما يستحق، فلا تقوم الدسائس، ولا يعاقب ما دام لم يفعل شيئا سوى الكتمان.

     إذن فالكذب المجرد، والكتمان، لا يكفيان لتجسيم وسيلة استعمال الدسائس.

     وتطبيقا لذلك، فالتاجر الذي لم ينبه المتعامل معه أنه مفلس، والمدين الذي يدعي لدائنه أنه سيفي بالدين، فيسلمه الدائن سند الدين، فيستولي عليه، والشاب الذي يعد فتاة كذباً بالزواج بها، فيحصل منها على بعض المال.

     ومن يدعي القدرة على استرجاع مسروقات أو على التعيين في وظيفة أو الشفاء من مرض نظير مال يدفع إليه.

     ففي هذه الفرضيات جميعاً لا تقوم الدسائس طالما اقتصر الوضع بها على مجرد الكتمان أو الكذب غير المدعوم بعنصر خارجي عنه.

    والمسألة التي تطرح هنا تتعلق بالكذب المجرد الصادر عن شخص يحمل صفة تدعو للثقة.

    فإذا كانت القاعدة أن الكذب المجرد لا يكفي لوحده لقيام الدسائس، فهل صدور هذا الكذب من شخص له صفة خاصة تحمل الغير على الثقة فيه، وتجعله يصدق في سهولة ما يصدر عنه يطبق عليه ذات القاعدة، أم أن ذلك يشكل استثناء من القاعدة، واعتبار الكذب المجرد في هذه الحالة كافية لقيام الدسائس؟

    فلو أن صاحب منصب سياسي قدم طلباً لمصلحة الضرائب لتخفيض الضريبة المفروضة على أرضه الزراعية زاعماً أن محصولات الأرض قد أتلفها الصقيع، فصدر قرار بتخفيض الضريبة.

     أو رجل دين يوهم رجلا عجوزا أنه ارتكب معاصي كثيرة، وإن الصلاة وحدها يمكن أن تنقذه من جهنم، فأخذ منه مبلغا من المال كي يصلي له.

     أو الطبيب الذي يتسلم من شركة أتعاباً عن علاج مصابين في حوادث عمل لديها، في حين أن الذي كان يقوم بزيارة المصابين وعلاجهم هو ممرض عنده.

    فما قام به هؤلاء الأشخاص ليس سوى كذب مجرد، إلا أن صفاتهم تحمل الغير على الثقة بهم وتصديقهم، وبذلك فإن استعانة الشخص بصفته أو مركزه فإن ذلك يعزز أقواله ويخرجها من دائرة الكذب المجرد ليدخلها في دائرة الكذب المؤيد بمظاهر خارجية.

    بالنتيجة نخلص إلى القول أن هذه الصفة تؤدي ما يؤديه المظهر الخارجي المدعم للكذب .

    2- المظاهر الخارجية.

     قلنا أن القاعدة تقضي بأن الكذب وحده لا يكفي لتوفر الدسائس وإنما يجب أن يدعم بمظاهر خارجية من شأنها خداع المجني عليه وجعله يصدق الكذب.

    والمظاهر الخارجية التي تدعم الكذب في استعمال الدسائس يجب أن لا تتمثل بتدخل شخص ثالث، لأن هذه الحالة تدخل ضمن الوسيلة الثانية من وسائل الاحتيال وهي تلفيق أكذوبة أيدها شخص ثالث ولو عن حسن نية.

    كما يجب أن لا تتمثل تلك المظاهر بشيء يعتبر ظرفا مهد له المحتال أو أفاد منه، لأن هذه الحالة تدخل ضمن الوسيلة الثالثة من وسائل الاحتيال.

    نستخلص من ذلك أنه يجب لتوفر الدسائس أن يتمثل المظهر الخارجي بشيء مادي أيا كانت ماهيته أو مادته، أو بشخص الفاعل نفسه دون سواه، بأن يخلق حول نفسه نمط خاص في الحياة يدعم به كذبه.

     والمظاهر الخارجية بالمعنى السابق يصعب حصرها وتحديدها، وهي تتنوع باختلاف البيئات والأشخاص، وتتطور وتتجدد تبعا لتطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية.

    ومن أمثلة المظاهر الخارجية المتمثلة بشيء مادي:

     – إبراز المدين حافظة نقود محشوة بأوراق غير نقدية لإيهام الدائن بأنه مستعد للوفاء بما عليه له، فيسلمه الدائن سند الدين فيمزقه.

    – عرض أنية نحاسية مطلية بالذهب على شخص وإيهامه بأنها أثرية ومن الذهب الخالص، فيصدق المجني عليه ذلك ويدفع له مبلغا كبيرا ثمنا لها.

    – النشر في الصحف لمزاعم كاذبة تتعلق بالحصول على شقق سكنية، وفتح باب الاكتتاب عليها، واستلام الأموال من المكتتبين.

     – إدعاء البائع لمحل تجاري أن به بضائع كثيرة تساوي الثمن الذي يعرض بيعه به، مؤيدة زعمه بأوراق غير مطابقة للحقيقة.

     – إبراز أوراق مزورة منسوبة إلى الغير، حقيقيا كان هذا الغير أو وهميا، تفيد بملاءة الشخص، والحصول استنادا لها على صفقة لم تكن لتتم لولاها.

     – إبراز فواتير كاذبة إلى شركة تأمين لقب تعويض عن حادث حقيقي.

     – استخدام سائق تكسي عدادا مزورة يحسب أجرة أكثر من الأجرة الحقيقية.

    – إيهام المجرم للمجني عليه بقدرته على تعينه في شركة ما، وحصوله منه على مبلغ مالي لقاء ذلك، بعد تأیید كذبه بأوراق تشهد باطلا بأنها صادرة عن هذه الشركة وبأن له بمقتضاها سلطة تعين موظفين فيها.

    ومن أمثلة المظاهر الخارجية المتمثلة في شخص الفاعل نفسه دون سواه:

     – إيهام المجني عليه بالقدرة على شفاءه من مرض عضال ألم به عن طريق الاتصال بالجن، وافتعاله التحدث مع الجن بأسمائهم، وإطلاق البخور، والحصول على مبلغ من المال مقابل ذلك.

    وبشكل عام، تندرج ضمن هذا المفهوم كل أفعال الشعوذة و الدجل لخداع الناس بالمقدرة على تحضير

     الأرواح، أو العثور على المسروقات أو المفقودين، أو لجلب الحب أو البغض، وما إلى ذلك من حيل تنطلي على كثير من بسطاء العقول، وتؤدي إلى الاستيلاء على أموالهم من قبل المشعوذين.

    – اتخاذ المحتال مظهر أهل الورع والصلاح بإطالة اللحية وبكثرة التردد على أماكن العبادة ليوهم الناس باستطاعته قضاء حوائجهم عن طريق دعواته وصلواته والتضرع للخالق لقاء مال يدفعونه له.

    – اتخاذ المحتال مظهر رجل ثري، من حيث المسكن والملبس والتنقل بأغلى السيارات، ليوهم الناس بأنه تاجر كبير، ثم يطلب منهم أموالا كي يستثمرها لهم في تجارته.

  • عنصر فعل الخداع في الركن المادي لجرم الاحتيال

    النشاط الجرمي (فعل الخداع)

    إن فعل الخداع يعني تغيير الحقيقة في شأن واقعة ما تغييراً يؤدي إلى وقوع المجني عليه في غلط يدفعه إلى تسليم ماله إلى المحتال .

    فقوام الخداع هو الكذب المستهدف إيقاع شخص في الغلط للاستيلاء على ماله.

     ولكن ليس كل كذب يقوم به النشاط الجرمي في الاحتيال، بل لا بد أن يتجلى هذا الكذب بإحدى الوسائل الخمسة التي حددها نص المادة 641 وهي:

     1- دس الدسائس.

     2- تلفيق أكذوبة أيدها شخص ثالث ولو عن حسن نية.

     3- ظرف مهد له الفاعل أو ظرف استفاد منه.

     4- استعمال اسم مستعار أو صفة غير حقيقية.

     5- التصرف بأموال منقولة أو غير منقولة يعلم المحتال أنه ليس ذي صفة للتصرف فيها.

    نستخلص من ذلك أن أي كذب أخر لا يدخل ضمن هذه الوسائل الخمسة لا يمكن أن يشكل النشاط الجرمي للاحتيال.

    وعلة ذلك واضحة، فلقد انتقى المشرع أخطر الوسائل التي تجسد الكذب والخداع، والتي تمثل خطرا على الملكية والثقة وحسن النية في المعاملات، وارتأى إسباغ الصفة الجرمية عليها . فالمشرع يتطلب من الناس كافة قدرة عادية من الحيطة والحرص في تعاملاتهم مع بعضهم، بحيث لا يستسلمون لأي كذب أو خداع يتعرضون له.

     ومن ثم فهو لا يحميهم إلا إذا تعرضوا لأساليب لا يتيسر للحيطة والحذر العاديين اكتشافها، وهو ما ارتاد المشرع في الأساليب الخمسة التي ذكرها والتي اعتبرها الأكثر وقوع و شمو وخطرة.

     أما إذا انخدع شخص بكذية ساذجة لا تنطوي ضمن هذه الأساليب المحددة، ولا تنطلي على أي شخص عادي أخر، فيكون هذا الشخص قد قصر في حق نفسه ولا يستحق الحماية الجزائية، فالقانون لا يحمي المغفلين.

    فلو باع شخص منزله لأخر وقبض نصف الثمن على العقد وأجل النصف الآخر للدفع عند التنازل عن الملكية في السجل العقاري، فأي إنسان عادي على قدر من الحيطة والحذر لا يمكن أن ينقل ملكية العقار إلا بعد استلامه النصف الآخر من ثمن المنزل.

     فلو ادعى المشتري، في مثالنا، كذبا أنه بحاجة لنقل الملكية لأية غاية، ووعده بأداء بقية الثمن بعد ذلك، فانخدع البائع بكذب المشتري وتنازل له عن الملكية دون قبض الثمن، ثم نكر المشتري عليه بقية قيمة المنزل.

     فإن كذب المشتري هذا لا يشكل النشاط الجرمي للاحتيال، لا سيما وأن البائع لم يتأكد من كذب المشتري بتقصي الحقيقة حول مزاعمه، ولم يقم المشتري بالتالي بأي مناورات احتيالية أو مظاهر خارجية تؤيد كذبه، بل اكتفى بالكذب المجرد الذي صدقه البائع، فقصر في حق نفسه، وخسر الحماية الجزائية بهذا التقصير.

    تخلص من ذلك إلى أنه لا بد لقيام النشاط الجرمي في الاحتيال أن يتوفر الكذب الذي يمكن أن ينطلي على أي شخص عادي، أي أن يتم الكذب بصورة إحدى الوسائل التي حددها نص المادة 641، فيقع المجني عليه في الغلط، فيسلم المحتال ماله معتقداً أن ما يفعله صواب .

    والسؤال الذي يعرض هنا يتعلق بعدد وسائل الخداع التي نص عليها المشرع: أهي وسائل خمس كما يبدو من ظاهر النص؟

    يرى بعض الفقه أن عدد هذه الوسائل ثلاث فقط، باعتبار أنه “ليس ثمة اختلاف من حيث العناصر والطبيعة القانونية بين الوسيلة الأولى، وهي استعمال الدسائس وبين الوسيلتين الثانية والثالثة “،

     إذ أن الأخريين ليستا مستقلتين عن الأولى، بل هما مجرد تفصيل وتوضيح لها.

    وهناك رأي فقهي أخر، نؤيده، يرى أن وسائل الخداع خمسة، وأن مركز الوسيلة الأولى من الوسيلة الثانية والثالثة كمركز الأنموذج العام من الخاص، وليس کمركز المجمل غير الموضح من المفصل الموضح، ومن المقرر أن المركز الخاص يتضمن جميع عناصر التكوين التي يحتويها المركز العام ويضيف إليها عناصر مخصصة، وفي هذا يختلف المركز الخاص عن المركز المفصل والموضح “.

    ونحن بتأييدنا لهذا الرأي نستند على حرفية نص المادة 641 من قانون العقوبات التي حددت وسائل الاحتيال صراحة بخمسة، فلا يعقل أن نعتبر الوسائل ثلاثة قبالة ذلك وإلا سنعتبر أن الوسيلتين الثانية والثالثة مجرد تزيد غير مدروس من المشرع، وهذا غير معقول.

  • ركن ومحل جرم الاحتيال في القانون السوري

    ركن محل الاحتيال

    يتطلب الاحتيال موضوعاً أو محلاً هو ذلك المال المسلم للمدعى عليه نتيجة نشاطه الجرمي المتمثل بالحيلة والخداع.

    وقد عبرت الفقرة الأولى من المادة 641 عنه بقولها

     “مالا منقولا أو غير منقول أو أسنادا تتضمن تعهدا أو إبراء

     إذن فمحل جريمة الاحتيال هو المال.

     وهذا المال يجب أن يكون مادية مملوكة للغير سواء كان منقولا أم غير منقول.

    وبالرغم من أن جميع المحررات و السندات والوثائق تدخل ضمن مفهوم المال المنقول إلا أن المشرع نص صراحة على الأسناد المتضمنة تعهدا أو إبراء.

    والجدير ذكره أن المال محل جرم الاحتيال هو ذاته المال محل جرم السرقة، باستثناء فارق واحد بينهما ، و هو أن السرقة لا تقع إلا على منقول، بينما الاحتيال يقع، في القانون السوري، على المنقول والعقار.

     لذلك سنتعرض بإيجاز المفهوم المال في الاحتيال محيلين بالنسبة لتفصيلاته إلى ما سبق ذكره في جريمة السرقة.

    1- إذن يشترط في محل الاحتيال أن يكون مالاً، والمال هو كل شيء يصلح أن يكون محلاً لحق الملكية.

    والإنسان لا يمكن أن يكون محلاً لجرم الاحتيال.

     فمن يخدع فتاة ويحملها على التسليم في عرضها لا يرتكب جريمة احتيال .

     كما لا يرتكبها من يخطف أخر بالحيلة والخداع.

     فمحل هذه الجرائم ليس مالاً، وبالتالي يلاحق مرتكبيها عن جرائم أخرى قد تكون الاغتصاب أو الخطف أو الحرمان الحرية.

    ويشترط بطبيعة الحال أن يكون المال متقومة، سواء كانت قيمته كبيرة أو ضئيلة، مادية أو معنوية، كتذكار أو رسالة أو خصلة شعر أو أي شيء له مكانة وقيمة لدى حائزه.

    2- ويشترط في المال أن يكون ذو طبيعة مادية، أي قابلا للحيازة والتسليم والتملك الشخصي، بصرف النظر عن طبيعة مادته، صلبة أو سائلة أو غازية.

     فيخرج بالتالي من مفهوم المال الأشياء المعنوية، أي غير المادية، كالحقوق والأفكار والألحان والمخترعات و الشعر، لأنها أشياء معنوية لا تدرك بالحس وليس لها كيان مادي يمكن الاستيلاء عليه.

     بيد أن هذه الأشياء تتحول إلى منقولات مادية صالحة لتكون محلا للاحتيال إذا أفرغت في وعاء مادي، كسند أو كتاب أو نوتة موسيقية أو براءة اختراع وتم الاستيلاء عليه بالخداع، لأن الاحتيال هنا يقع على المادة التي دون بها الحق أو الكتاب الذي وضعت به الأفكار أو النوتة التي تتضمن اللحن الموسيقى أو براءة الاختراع.

     أما الحقوق في حد ذاتها والأفكار والألحان والمخترعات فليس لها كيان مادي يصلح ليكون محلا للاحتيال.

    3- ويشترط أن يكون المال موضوع الاحتيال مملوكة للغير.

     بالتالي لا يقع الاحتيال في حالة من يستعمل الخداع الاسترداد ماله من يد سارقه، أو حالة المؤجر الذي ينتزع بالخداع من المستأجر الشيء الذي أجره له قبل انتهاء مدة العقد، ولو كان المستأجر قد أدي الأجرة عن المدة بأكملها.

    ولا يرتكب جريمة الاحتيال أيضا من يستولي على مال لا مالك له، مثل المال المباح أو المتروك.

    والمثال على ذلك أن يهم شخص بحيازة مال مباح فيتدخل شخص ويدعي ملكيته للمال ويؤيده شخص ثالث بذلك، فهو لا يرتكب الاحتيال لأن محله غير مملوك لأحد.

    إلا أن الحكم يختلف لو أن الشخص هذا حاز الشيء المتروك أو المباح فقام المحتال بخداعه وحصل عليه، فهنا تقوم جريمة الاحتيال لأن المال المباح أصبحت ملكيته لمن يحوزه، والتسليم هنا انصب على مال مملوك للغير.

    ويستوي أخيرا أن يكون محل الاحتيال ما منقوط أو غير منقول. وهذا ما يميز الاحتيال عن السرقة وعن إساءة الائتمان، اللتان لا تقعا إلا على مال منقول.

     وللمنقول في جريمة الاحتيال ذات المعنى الذي حددناه في جريمة السرقة، فنحيل إليه.

    وبالرغم من دخول الأسناد ضمن مفهوم المال المنقول، إلا أن المشرع ذكرها صراحة بعبارة “الأسناد التي تتضمن تعهدا أو إبراء”.

    والأسناد تعني الصكوك أو المحررات ذات القيمة المالية، أي كل ورقة تحمل تعهدا أو إبراء. والمراد بالتعهدات الموجبات على اختلاف موضوعاتها، ومثالها سند الدين.

     أما الإبراء فيراد به كل إنهاء الموجب أيا كان سبب هذا الإنهاء، ومثاله سند المخالصة، أي السند الذي يثبت الإبراء من الدين.

     ويبدو أن الحكمة من إيراد الأسناد بصورة مستقلة عن المنقول تتجلى بكون الاحتيال الذي يكون محله الأسناد يظهر في صورتين مختلفتين:

    الأولى: تتمثل بالحصول بطريق الخداع على السند ذاته المتضمن تعهدا أو إبراء.

     فللسند في هذه الحالة طبيعة مادية وله بالإضافة إلى ذلك قيمة مالية، فأمره لا يثير صعوبة تذكر، والاحتيال يقوم بهذه الحالة.

    الثانية: تتمثل بالحصول بطريق الخداع على التعهد أو الإبراء في سند موجود في حيازة المجني عليه، ودون أن يقتضي ذلك حصول المحتال على السند ذاته.

    والفرض هنا أن يستطيع المحتال أن يحصل على تعهد في ذمة الغير المصلحته أو أن يحصل على إبراء من تعهد في ذمته دون أن يقتضي ذلك حصوله على السند.

     والمثال على ذلك أن يحصل المحتال بالخداع على تسجيل اسمه في قائمة من يستحقون إعانة بطالة أو مرض أو تعويض عائلي، أو أن يحمل المجني عليه على أن يثبت في دفتره اسمه على أنه يستحق ما في ذمته، أو على أن يحذف من دفاتره مبلغا كان ثابتا في ذمته .

يرجى ارسال السؤال دفعة واحدة
1