مقدمة في نظرية الدعوى: تعريفها وسببها وأركانها وأطرافها

تعريف الدعوى

س- عرف الدعوى لغة

ج -الدعوى في اللغة: اسم لما يُدعى، تقول: ادَّعيتُ الشيء : إذا زعمته لك – حقا كان أو باطلاً.

ويقال: ادَّعى، يَدَّعي، ادّعاء ودعوى، وتُجمع على دعاوى، ودعاوي .

قال ابن فارس: (الدَّالُ وَالْعَينُ وَالْحَرْفُ الْمُعتَلُ: أَصل وَاحِدٌ، وهو أَن تُمِيلَ الشَّيءَ إِليكَ بصوتٍ وَكَلَامٍ يكون منك) .

س – عرف الدعوى في اصطلاح الفقهاء.

ج/ اختلف الفقهاء في تعريف الدعوى القضائية، ويمكن بيان ذلك في تعريفين:

الأول: تعريف بعض الحنفية بأنها: قول مقبول عند القاضي، يُقصد به طلب حق قبل غيره، أو دفعه عن حق نفسه .

التعليق على التعريف:

  • قول مقبول: يفيد أن الدعوى لابد أن تكون قولاً، كما قيد بقوله ( مقبول) ما لا يقبل ادعاؤه.
  • عند القاضي : يفيد أن الدعوى لابد أن تكون عند القاضي، فما كان من قول عند غيره لا يعد دعوى.
  • يقصد به طلب حق قبل غيره: قيد يُخرج الشهادة والإقرار، فلا تعدان دعاوى.
  • أو دفعه عن حق نفسه: فيدخل فيها دعوى منع التعرض، فيصح سماعها مع أن المدعي يدعي بأمر في يده

الثاني: تعريف بعض الحنابلة بأن الدعوى: إضافته إلى نفسِهِ استحقاق شيء في يد غيرِهِ، أو في ذمته .

. التعليق على التعريف :

1- إضافته إلى نفسه: يفيد أن المدعي لابد أن يدعي أمراً لنفسه، وهو قيد يخرج به:

-ادعاءه حقاً لغيره، فلا تقبل دعواه بحق لغيره، ما لم يكن وكيلاً عنه؛ إذ الوكيل في مقام الأصيل، فهو

متحدث بلسان موكله.

-الشهادة، ففيها يضيف الشاهد لغيره استحقاق شيء على غيره.

2- استحقاق شيء في يد غيره : فقوله (شيء) يدخل فيه الدعاوى المتعلقة بالأعيان، وهو قيد يخرج به:

– الإقرار، ففيه يضيف المُقر لغيره استحقاق شيء على نفسه.

-الدعوى المقلوبة، فلا تُقبل الدعوى إذا كان المدعي حائزاً للعين محل الدعوى، ويطلب الحكم بعدم استحقاق المدعى عليه لهذه العين؛ لأن هذا الشيء في يده، وليس في يد غيره.

– أو في ذمته: فيدخل فيه الدعاوى المتعلقة بالديون التي تثبت في الذمة.

– أو دفعه عن حق نفسه: فيدخل فيها دعوى منع التعرض، فيصح سماعها مع أن المدعي يدعي بأمر في يده

س – عرف الدعوى في اصطلاح القانونيين.

ج / اختلف فقهاء القانون في تعريف الدعوى القضائية، ومن تعريفاتهم سلطة الالتجاء إلى القضاء للحصول على معونته في تقرير الحق أو حمايته.

س – ما سبب الدعوى؟

ج / يختلف سبب الدعوى بين الفقهاء والقانونيين:

فعند الفقهاء: سبب الدعوى: إرادة المدعي تحصيل حق له أو حمايته.

– أما عند القانونيين : فسببها : وجود النزاع بين المدعي والمدعى عليه في حق.

ویرى بعض القانونيين أن سبب الدعوى: هي سبب ، الاستحقاق (منشأ الحق)، أما وجود النزاع فهو محرك الدعوى.

مثال: يتضح الفرق بين الأقوال السابقة في المثال الآتي: سبب الدعوى بملك عقار :

عند الفقهاء: إرادة المدعي تسليم العقار إليه.

عند القانونيين في القول الأول: وجود نزاع بين المدعي والمدعى عليه حول عقار ما.

عند القانونيين في القول الثاني: سبب ملك المدعي للعقار بشراء أو إرث أو نحوه.

س – ما أركان الدعوى؟

ج / يختلف الفقهاء في المقصود بالركن:

. فهو عند الجمهور: ما لابد منه لتصور الشيء ووجوده، سواء أكان جزءاً منه أم مختصا به.

وعند الحنفية: ما لابد منه لتصور الشيء ووجوده ويكون جزءاً داخلاً في ماهية الشيء.

مثاله : أركان البيع:

عند الجمهور العاقدان، والمعقود عليه، والصيغة.

أما عند الحنفية : فركن البيع: الصيغة فقط .

وكذلك الأمر في أركان الدعوى:

فهي عند الجمهور: المدعي والمدعى عليه، والمدعى به، والصيغة، وقد يضاف إليها: مجلس القضاء.

أما عند الحنفية: فركن الدعوى: صيغتها، فهي القول -أو ما يقوم مقامه من الكتابة والإشارة.

س – ما شروط صيغة الدعوى؟

ج/ يشترط في صيغة شروط، منها:

١) أن تكون قولية، بأن يصرح المدعي قولاً بدعواه، ويصح في بعض الأنظمة الاكتفاء بالكتابة، كما تقوم إشارة الأخرس مقام قوله بشرط وجود مترجم عنه -.

٢) أن تكون بلسان المدعي نفسه، وإذا تقدم بالدعوى وكيله فيكون كلام بلسان موكله لا تعبيراً عن نفسه.

3) أن يصرح المدعي بطلبه في الدعوى، ويطلب الحكم به على المدعى عليه، فلا يصح أن يكتفي بذكر الوقائع فقط، ثم لا يطلب بعدها طلباً.

4)أن تكون متسقة، فلا يناقض بعضها بعضاً.

ه) أن تكون الدعوى جازمة، لا مترددة، فلا تصح الدعوى بنحو: أشك أن الأرض التي بيد فلان لي؛ لأن في الدعوى المترددة إشغالاً للقضاء بما لا يعلمه المدعي، وإضراراً بالمدعى عليه دون حق. ويستثنى من ذلك الدعوى الجنائية، فتسمع بمجرد الاتهام؛ لأثرها على حفظ الأمن، وعلى المدعي حينها أن يثبت صحة دعواه، ويمكن للمتهم أن يكتفي بالإنكار والتمسك بأصل براءة الذمة.

٦) أن تكون في مجلس القضاء، فلا تصح الدعوى ولا سماعها في غير مجلس القضاء.

س – من هم أطراف الدعوى؟

ج/ أطراف الدعوى هم: المدعي والمدعى عليه، ويصح أن يضاف إليهم: القاضي؛ باعتباره الحاكم بينهم، ولأن الدعوى لا تصح إلا أمامه.

  • ويمكن أن يكون كل من المتداعيين: شخصية حقيقية، أو شخصية اعتبارية.
  • كما يمكن أن يكون كل منهما واحداً، أو متعدداً.

س –  كيف نميز بين المدعي والمدعى عليه ؟

ج – من أهم الأمور التي يجب على القاضي إتقانها: التمييز بين المدعي والمدعى عليه؛ لأن لكل منهما أحكاماً تخصه، فمن ذلك:

  • أن المدعي: هو من يقع عليه عبء الإثبات، وتلزمه البينة على دعواه.
  • والمدعى عليه لا تلزمه البينة في الأصل، بل يخرج من الدعوى بيمينه.

معايير التمييز بين المدعي والمدعى عليه:

لقد فاق الفقهاء القانونيين في معايير التمييز بين المدعي والمدعى عليه، حيث أسهب الفقهاء في ذلك وذكروا معايير متعددة، في حين ذكر القانونيين فروقاً يسيرة، كقولهم: المدعي هو الشاكي أو البادئ بالخصومة، والمدعى عليه هو المشكو المراد الحكم عليه، وهذا ليس ضابطا مطرداً، فقد يصير الشاكي مدعى عليه، وقد يصير المشكو مدعياً، ولذلك كانت معايير الفقهاء أنفع للقاضي في الوصول إلى الحكم الصواب، وضبط الدعوى بين الخصمين، ومما ذكره الفقهاء في التفريق بينهما :

م المدعي المدعى عليه
1 المدعي من إِذا تَرَكَ تُرِكَ: أي لا يجبر على الخصومة إذا تركها؛ لأنه هو الذي يريد من القضاء أخذ المدعى به من المدعى عليه وتسليمه له. والمدعى عليه من إذا ترك لم يُترك، أي: يجبر على الخصومة إذا تركها؛ لأنه المستولي على الشيء الذي يطالب به المدعي، ولا يحتاج المدعى عليه إلى القضاء للحصول على المتنازع فيه.
2 المدعي هو الطالب المدعى عليه هو المنكر
3 المدعي من لا يستحق إلا بحجة – أي دليل وبينة، ولا يكفيه مجرد النفي المدعى عليه من يأخذ الشيء بقوله من غير حجة؛ لأن الشيء المتنازع فيه في يده، والأصل بقاء ما كان على ما كان.
4 المدعي من يلتمس غير الظاهر والمدعى عليه من يتمسك بالظاهر
5 المدعي من يشتمل كلامه على الإثبات المدعى عليه من يشمل كلامه على النفي فيكتفى به منه
6 كل من يشهد بما في يد غيره لنفسه فهو مدع من يشهد بما في يد نفسه لنفسه فهو منكر ومدعى عليه.

أضبط هذه الطرق:

أن المدعي من يدعي خلاف الأصل أو الظاهر، والمدعى عليه من يتمسك بالأصل أو الظاهر.

كيف نعرف الأصل أو الظاهر؟

يذكر الفقهاء جملة من الأصول، منها:

الأصل في الأمور العارضة العدم.

الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته.

الأصل بقاء ما كان على ما كان.

الأصل براءة الذمة.

ومما يعين على معرفة الأصل والظاهر : معرفة من يُقدم قوله عند الاختلاف، فمن ذلك:

  • إذا اختلف القابض والدافع في الجهة، فالقول قول الدافع.
  • إذا اختلف الغارم والمغروم له في القيمة فالقول قول الغارم.
  • إذا اختلف المتبايعان في الخيار والبتات فالقول لمن يدعي البتات والبينة بينة مدعي الخيار.
  • الأصل أن القول قول الأمين.
  • من كان القول قوله في أصل الشّيء كان القول قوله في صفته.

س – ما الثمرة من تمييز القاضي المدعي من المدعى عليه ؟

ج لتمييز القاضي المدعي من المدعى عليه فوائد، منها:

۱) تحديد من يقع عليه عبء الإثبات، ومن لا تلزمه سوى اليمين.

۲) تمييز الدعوى المقلوبة؛ لكون الدعوى المقلوبة هي الدعوى التي يجعل المدعى عليه نفسه فيها مدعياً أو العكس، فإذا تمكن القاضي من تحديد المدعي من المدعى عليه تمكن من إدارة القضية وتوجيه طلب البينة إلى المدعي، واكتفى بيمين المدعى عليه عند عجز المدعي عن إقامة البينة، وأمكنه كشف الدعوى المقلوبة إذا حاول المدعى عليه جعل نفسه مدعياً أو العكس.

3) تطبيق الأحكام التي علقها النظام بالمدعي على المدعي حقيقة، فمن ذلك:

– شطب الدعوى عند غياب المدعي، أما المدعى عليه فلا تشطب الدعوى عند غيابه.

– تحميل المدعي مصروفات الدعوى، وذلك في البلدان التي تلزم المدعي بدفع رسوم عند رفع الدعوى.

٤) تطبيق الأحكام التي علقها النظام بالمدعى عليه على المدعى عليه حقيقة، فمن ذلك:

  • تحديد المحكمة المختصة مكاناً؛ لأن الأصل في الدعوى أن تقام في بلد المدعى عليه.
  • تحديد المحكمة المختصة نوعاً؛ لأن بعض الدعاوى يُنظر في تحديد المحكمة المختصة نوعاً بحم المدعى عليه ؛ كالدعاوى التجارية المقامة على التاجر تختص بها المحكمة التجارية، أما المقامة على فرد فتختص بها المحكمة العامة.

س – ما الشروط الواجب توفرها في المدعي والمدعى عليه ؟

ج / يشترط في المدعي والمدعى عليه شروط، منها:

۱) الأهلية، والأهلية على نوعين:

أ. أهلية وجوب، وذلك بكون كل منهما حياً.

ب. أهلية أداء، بأن يكون كل منهما جائز التصرف، وجائز التصرف: الحر المكلف الرشيد، فإن كان أحد الخصمين صغيراً أو مجنوناً لم يصح أن يكون مدعياً أو مدعى عليه بنفسه، ولم يصح إقراره، ولا توكيله، لكن يصح أن يقوم مقامه من يجعله القاضي ولـيـا عليه.

٢) الصفة، بأن يكون كل من المدعي والمدعى عليه ذا صفة في الدعوى:

فالصفة في المدعي بأن يكون مستحقا بنفسه لما يطالب به.

والصفة في المدعى عليه بأن يكون الحق المدعى به في يده حقيقة أو حكماً.

 فائدة: قد يُكتفى في بعض الدعاوى بوجود المصلحة في الخصوم ، ومن صور ذلك:

– دعاوى إلغاء القرارات الإدارية، فيُكتفى بشرط المصلحة في كثير منها، ولا يلزم وجود الصفة.

مثاله: صدر قرار وزير التعليم بإغلاق المدرسة الابتدائية التي في الحي، فتقدم أحد الجيران إلى المحكمة الإدارية بطلب إلغاء قرار إغلاق المدرسة؛ لوجود مصلحة له؛ لكون أبنائه يدرسون فيها.

– التدخل في الدعوى، فقد تقبل المحكمة تدخل بعض الأشخاص في دعاوى قائمة؛ لأن الحكم فيها يجلب لهم نفعا أو يدفع عنهم ضرراً.

مثاله : أجر محمد أرضاً لسعيد ليقيم عليها منجرة، فرفع جيران المنجرة دعوى ضد سعيد، وطلبوا من المحكمة إغلاق المنجرة، فطلب محمد مالك الأرض من المحكمة أن تقبل تدخله في الدعوى؛ لأن صدور الحكم بإغلاق المنجرة سيؤدي إلى فسخ سعيد لعقد الإيجار، فيصح تدخل محمد في الدعوى مع أنه ليست له صفة في الدعوى؛ لأنه ليس صاحب المنجرة، لكن يُقبل تدخله لأن في ذلك دفع مضرة عنه .

3)العلم به، بأن يكون كل من المدعي والمدعى عليه معلوماً.

س –  ما الشروط الواجب توفرها في المدعى به؟

ج / يشترط في المدعى به شروط منها:

1- تعيين المدعى به، بأن يُحَدَّد تحديداً واضحاً لا لبس فيه حتى تكون إجابة المدعى عليه ملاقية لما يدعيه المدعي، وليتمكن القاضي من النظر في دلالة البينة على المدعى به، وهو ما لا يمكن لو كان المدعى به مجهولاً أو مبهما.

٢- أن يكون المدعى به ممكنا عقلاً وعادةً، فلا تسمع الدعوى بمستحيل عقلاً أو مستحيل عادةً.

مثال المستحيل عقلاً: أن يتقدم شخص عمره عشرون عاماً بطلب إثبات أبوته لشخص عمره ثلاثون عاماً.

ومثال المستحيل عادةً: أن يتقدم فقير لا يملك من الدنيا سوى لباسه بطلب إلزام أحد كبار التجار بأن يدفع له مليار ريال أقرضها إياه قبل عام.

3- أن يكون المدعى به مباحاً، فلا تسمع الدعوى بمحرم شرعاً.

٤- أن يكون المدعى به لازما للمدعى عليه عند ثبوته، فلا تسمع الدعوى إن كان المدعى به لا يلزم المدعى عليه أصلاً.

مثاله: أن تتقدم امرأة تطلب إلزام المدعى عليه بالنفقة عليها، فلما سألها القاضي: هل هي زوجة أو قريبة للمدعى عليه؟ أجابت: لا، ولكنه غني وأنا فقيرة، فلا تُسمع الدعوى؛ لأن النفقة لا تجب على المدعى عليه أصلاً؛ لكونه ليس من أصول المدعية ولا من قراباتها.

س –  ما المقصود بمحل الدعوى؟ ممثلاً له بأمثلة.

ج محل الدعوى العين أو الشيء الذي وقع النزاع بشأنه.

من أمثلته:

الدعوى محل الدعوى
1- رفع رجل دعوى يطلب فسخ البيع الذي تم بينه وبين المدعى عليه. عقد الييع
2- رفع شاب دعوى يطلب إلزام والده بالنفقة عليه. النفقة (المال)
3- رفعت امرأة دعوى تطلب الحكم لها بحضانة أبنائها من طليقها. الأبناء
4- رفع رجل دعوى يطلب رفع يد المدعى عليه عن عقاره. العقار
5- رفع مجموعة من سكان . الفلاح يطلبون إلغاء قرار أمانة الرياض بإغلاق أحد شوارع الحي. القرار لاداري

س –  عدداً بعضاً من الآثار المترتبة على الخطأ في تحديد محل الدعوى.

ج من الآثار المترتبة على الخطأ في تحديد محل الدعوى:

١) الخطأ في تحرير الدعوى.

٢ )بحث أمور غير مؤثرة في الدعوى.

3)الخطأ في تنزيل الأحكام الفقهية على الدعوى.

٤) الخطأ في الحكم القضائي (النتيجة).

Scroll to Top