شرح القاعدة الفقهية: لا مساغ للاجتهاد في مورد النص

محامي عربي

لا مساغ للاجتهاد في مورد النص

 

لأن الحكم الحاصل بالنص حاصل بيقين والحكم الحاصل بالاجتهاد حاصل بالظن، ولا يترك اليقين للظن فبطل القول بحل المطلقة ثلاثاً للأول بمجرد عقد ثاني عليها بلا وطء، كما بطل القول بحل نكاح المتعة لمخالفة ذلك النصوص الشرعية التي لا تتحمل التأويل.

والمراد بالنص ها هنا الكتاب والسنة الصحيحة، ومثلهما لفظ شرط الواقف ولفظ الموصي ، فإنهما كنص الشارع في المفهوم والدلالة ووجوب العمل به ما لم يكن فيه تغيير لحكم الشرع، كما لو شرط أن المتولي أو الوصي لا يحاسب فإن مثل هذه الشروط لا تراعي.

يستخلص من ذلك أن الاجتهاد الممنوع في مورد النص هو ما كان مصادماً لنص ثابت وواضح في المعنى الذي ورد فيه وضوحاً لا يحتمل التأويل، وهو ما يسمى بقطعي الثبوت والدلالة. وهذا المبدأ مقرر أيضاً في النظر القانوني، فلا مجال للقضاة أن يجتهدوا في أحكامهم مع وجود نص قانوني صريح بخلاف اجتهادهم؛ لأن مهمة القاضي التطبيق لا التشريع.  .

فإذا كان النص غامضاً محتملاً جاز إعمال الرأي في فهمه كما في قوله تعالى: ﴿ وَالْمُطَلَّقَتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَثَةَ قُرُوءٍ ،) فقد اجتهد الفقهاء في معنى القرء واختلفوا فيه لاحتماله أكثر من معنى. أما إذا كان النص غير صحيح أو كان الإجماع غير ثابت، جاز الاجتهاد في المقابل لعدم الحجية في النص، وذلك عن طريق قواعد القياس أو الاستصلاح أو الاستصحاب أو العرف، أو غير ذلك من الأدلة التبعية .

تنبيه :

يحتمل أن يكون المقصود من وضع هذه القاعدة الإيماء للمفتين والقضاة في ترجيح إحدى روايتين متساويتين أو أحد قولين متعادلين يختلف الترجيح  فيهما بحسب الحوادث والأشخاص، وذلك مثل ما قالوا في الزوج إذا أوفى زوجته معجّل مهرها، فهل له أن يسافر بها أو لا؟

فظاهر الرواية أن له ذلك، وقال أبو القاسم الصفار وأبو الليث : ليس له ذلك لفساد الزمان وسوء حال الأزواج، فمتى علم المفتي من حال الزوج الإضرار بالزوجة أفتاه بعدم الجواز، ومتى علم منه غير ذلك أفتاه بالجواز.

وقد نصوا في مثل هذا أن المفتي لا بد له أن يفتي بما وقع عنده من المصلحة، وكذا قولهم في سقوط نفقة الزوجة بالطلاق البائن إذا كانت غير مستدانة بأمر القاضي، فالقاضي ينظر في حال الزوج، فإن كان طلقها بائناً توصلاً لإسقاط النفقة المتراكمة عن نفسه رد قصده وحكم عليه بعدم سقوطها عنه، وإن كان أبانها لا لهذا، حكم بسقوطها.

وكذلك بيع الأب أو الوصي عقار الصغير إن رأى القاضي أن نقض العقار أصلح وأنفع للصغير، وكذلك أيضاً للحاكم تحليف الشهود إذا رأى ذلك لفساد الزمان  .

Scroll to Top