شرح القاعدة الفقهية: دليل الشيء في الأمور الباطنة يقوم مقامه مع أمثلة

محامي

أي أنه يحكم بالظاهر فيما يتعسر الاطلاع على حقيقته، ويفهم من هذه القاعدة أنه إذا كان شيء من الأمور التي لا تظهر للعيان فسببه الظاهري يقوم بالدلالة على وجوده، لأن الأمور الباطنة لا يمكن للإنسان أن يستدل عليها إلا بمظاهرها الخارجية ، ولهذه القاعدة صلة وثيقة بمبدأ القضاء بالقرائن، وفي النظر الشرعي أن ما كان يتعذر الاطلاع عليه لا يبحث عن حقيقة وجوده بل ينظر إلى دلائله فترتبط الأحكام بتلك الدلائل وجوداً وعدماً ولا يلتفت إلى احتمال خلافها .
وأحكام الشارع الإسلامي بعضها تعبدي وبعضها معلل، والمعلل منها بعضه ظاهر ومنضبط العلة وبعضه علته خفية وغير منضبطة، وفي تلك الأخيرة فإن الشارع ألغى اعتبار العلل الخفية وأناط الحكم بما هو مظنة لها وأقام الدليل عليها مقامها.
من فروع تلك القاعدة :

عدم سماع الدعوى فيما إذا تركها المدعي مدة مرور الزمن المقدرة بست وثلاثين سنة في الوقف وبخمس عشرة سنة في غيره بدون عذر، فيكون ذلك دليلاً على انتفاء حقه في الدعوى فلا تقبل منه الدعوى به بعد ذلك؛ لأن الحق من الأمور والعلل الخفية، هذا إذا أنكر المدعى عليه الحق. أما إذا أقر به قبلت الدعوى لانتفاء دلالة ترك الدعوى مدة التقادم على انتقاء الحق .
ومنها : إقامتهم الخلوة بالزوجة مقام الوطء في إلزام الزوج بكل المهر، لأن الوطء مما يخفى والخلوة الصحيحة دليل عليه فأقيمت مقامه ، وكذا إقامة الفراش الزوجي والحيضة والزفاف وصمت البكر مقام النسب وبراءة الرحم والدخول والإذن بالزواج كما مر .

ومنها: أن الجباة والتابعين لبيت المال ومتولي الأوقاف إذا توسعوا في الأموال وتعاطوا أنواع اللهو كان ذلك دليلاً على خيانتهم الباطنة، فللحاكم حينئذ مصادرة أموالهم وعزلهم، فإن عرف خيانة أرباب الأوقاف في وقف معين رد المال إليه وإلا وضعه في بيت المال وهذا ما يعبر عنه المعاصرون بمبدأ (من أين لك هذا).
ويستثنى من تلك القاعدة ما لو أدخلت المرأة حلمة ثديها في فم الرضيع ولم يدر أدخل اللبن في حلقه أم لا، فإنه لا يحرم النكاح لأن الأصل في الصفات العارضة العدم.

Scroll to Top