الجرم المشهود ( الحالات والشروط والآثار المترتبة )

سلطات الضابطة العدلية في الجرم المشهود ( الحالات والشروط والآثار المترتبة )

سلطات الضابطة العدلية في الجرم المشهود

نصت المادة (28) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أن:

1- الجرم المشهود هو الجرم الذي يشاهد حال ارتكابه أو عند الانتهاء من ارتكابه.

 2- ويلحق به أيضأ الجرائم التي يقبض على مرتكبيها بناء على صراخ الناس أو يضبط معهم أشياء أو أسلحة أو أوراق يستدل منها أنهم فاعلو الجرم وذلك في الأربع والعشرين ساعة من وقوع الجريمة”.

يتبين من هذا النص المفهوم القانوني للجرم المشهود, فهو يعني التقارب الزمني بين وقت ارتكاب الجريمة ووقت اكتشافها.

 فالجرم المشهود إذن حالة لا تدخل في تكوين الجريمة، وإنما هو حالة تتعلق باکتشافها فقط. لذلك لابد من سرعة في اتخاذ الإجراءات الجزائية حيال الجريمة المشهودة حتى لا يترتب على التراخي في اتخاذ هذه الإجراءات ضياع الحقيقة..

 فقيام حالة الجرم المشهود يؤدي إلى توسيع سلطة موظفي الضابطة العدلية، ويخولهم استثناء القيام ببعض أعمال التحقيق الابتدائي.

وقد وردت حالات الجرم المشهود على سبيل الحصر، فلا يجوز القياس عليها أو الاستنتاج منها، فإذا لم تتوافر إحدى هذه الحالات التي نصت عليها المادة (28) فلا يكون الجرم مشهودة.

وعلة هذا الحصر أن المشرع أراد توسیع سلطات الضابطة العدلية التي تمس الحريات الفردية خوفاً من أن تطمس معالم الجريمة أو تزول إذا اتبعت الإجراءات العادية، إضافة إلى أن الخطأ أو التعسف فياستعمال هذه السلطات يكاد يكون منعدما. لذلك لابد من تقسيم هذا المطلب إلى أربعة فروع:

أ- حالات الجرم المشهود

وفقا لما نصت عليه المادة (28) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، فإن هناك أربع حالات للجرم المشهود هي:

أولا – مشاهدة الجرم حال ارتكابه

أي مشاهدة الجريمة حين ارتكابها، أي لحظة ارتكاب الفعل المادي المكون للجريمة كمشاهدة الجاني وهو يطلق النار على المجني عليه أو يطعنه بالسكين أو مشاهدة السارق وهو يمد يده إلى جيب المجني عليه ليسرقه.

 أي مشاهدة السلوك الجرمي أو النتيجة الجرمية أو الاثنين معا. والمشاهدة ليست فقط عن طريق البصر، وإنما بإدراك الجريمة لحظة وقوعها بأي حاسة من حواس الإنسان، فقد تكون عن طريق السمع أو الذوق أو اللمس أو الشم، متى كان هذا الإدراك بطريقة يقينية لا تحتمل الشك فيه.

فتكون بطريق السمع حين يسمع عضو الضابطة العدلية صوت إطلاق النار، وتكون بطريق الشم حين تفوح رائحة المخدر من فم الشخص الذي يتعاطاها، وتكون بالتذوق عندما يتناول طعاما يجد فيه مادة مخدرة أو سامة، كما تكون باللمس كما لو أحست زوجة كفيفة عن طريق اللمس أن من يحاول اغتصابها ليس زوجها.

والقانون صريح في أن حالة الجرم المشهود تلازم الجرم نفسه لا المجرم، فقد تشاهد الجريمة دون أن يشاهد فاعلها فهي ذات طبيعة عينية. كمشاهدة نور الكهرباء ينبعث من مصابيح كهربائية من منزل شخص غير متعاقد مع شركة الكهرباء ورؤية أسلاك الكهرباء متصلة بأسلاك الشركة بطريقة غير مشروعة، فهذه جريمة مشهودة لسرقة التيار الكهربائي المملوك للشركة.

ثانياً – مشاهدة الجريمة عقب الانتهاء من ارتكابها

أي إن عضو الضابطة العدلية لم يشاهد الجريمة لحظة ارتكابها، أي لم يشاهد الركن المادي للجريمة، وإنما شاهد آثارة ومعالم تدل على أن الجريمة قد وقعت منذ وقت قصير، كمشاهدة جثة المجني عليه وهي تنزف دماً.

ولم يحدد القانون الوقت الذي يمضي بين الجريمة ومشاهدتها، ويعود ذلك إلى تقدير قاضي الموضوع. ولكن يرى الفقه أن هذا الزمن يتحدد بالزمن الضروري لانتقال عضو الضابطة العدلية إلى مكان وقوع الجريمة بحيث تكون آثار الجريمة أو معالمها مازالت ناطقة، أي لابد من أن تكتشف الجريمة فور ارتكابها، وأن تترك آثارة تدل عليها بشكل واضح.

ونحن مع الرأي الذي يقول إن عبارة (الانتهاء ) تعني لحظات يسيرة، لأنها إذا طالت فإن الجرم قد يعد مشهودة طبقا للحالة الرابعة من حالات الجرم المشهود ولكن ليس لهذه الحالة.

ثالثاَ – القبض على فاعل الجريمة بناء على صراخ الناس :

 ويفترض هنا أن المجني عليه طارد الجاني أو تنبه إليه المارة من تلقاء ذاتهم فلحقوا به وعلا صراخهم، وتلك قرينة على أنه لم يمض على ارتكاب الفعل إلا فترة وجيزة، فيشترط ملاحقة المشتبه به أي متابعته من الناس بالجري خلفه أو في مكان ارتكاب الجريمة. كما يشترط أيضا أن تقترن الملاحقة بالصراخ، أي بارتفاع الصوت، أي أن يصدر عن الناس أصوات مثل (هذا هو الحرامي أو القائل امسكوا به ولا يشترط لتوافر الصراخ الركض خلف المشتبه به وانما يكفي أن ينبهوا بصياحهم والإشارة إليه بما يفيد اتهامه.

إذا ضبط عضو الضابطة العدلية هذا المشهد فإن الجرم يعد مشهودة طالما أن المطاردة لم تنته.

 لأنه لا يكون هناك جرم مشهود إذا كان المجني عليه قد صادف الجاني في اليوم التالي لوقوع الجريمة فراح يطارده صائحا بأنه مجرمة.

كما ينبغي التفريق بين صراخ الناس وبين الإشاعة التي يتناقلها الناس فيما بينهم.

فإذا أشيع أن شخصا معينة قد ارتكب جريمة، فهذه الإشاعة لا تكفي لتكون جريمة مشهودة.

رابعاً- مشاهدة أدلة الجريمة

يعد من حالات الجرم المشهود حسب ما جاء في المادة (28) الفقرة (2) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، عندما يضبط مع المشتبه به أشياء أو أسلحة أو أوراق يستدل منها أنه فاعل الجرم وذلك خلال الأربع والعشرين ساعة من وقوع الجريمة،

كما لو ضبط شخص عقب ارتكاب جريمة السرقة بفترة وجيزة ومعه الأشياء المسروقة أو السلاح الذي استعمل في السرقة، أو حتى إذا شوهدت آثار دماء على ثياب شخص تدل على ارتكابه جريمة قتل. فهذه الآثار لا تقل أهمية عن الأسلحة والأوراق، يجب أن يتم ذلك خلال الأربع والعشرين ساعة على ارتكاب الجريمة،

فالمشاهدة هنا لا تقع على العناصر المادية للجريمة مباشرة وإنما على عناصر مادية أخرى يستدل منها على وقوع الجريمة وعلى مرتكبها”.

من خلال دراستنا لهذه الحالات الأربع، فإننا إذا دققنا فيها نصل إلى استنتاج بأن الحالة الأولى التي ذكرتها المادة (28) من حالات الجرم المشهود هي حالة الجرم الحقيقي لأن عضو الضابطة العدلية يشاهد الجرم حال ارتكابه، بينما الحالات الثلاث الأخرى هي استنتاجية أو اعتبارية.

فالفارق بين الجرم المشهود والجرم العادي هو من حيث ضبط الجريمة، أي مشاهدة الجرم في إحدى حالاته الأربع، فإذا لم ير عضو الضابطة العدلية إحدى هذه الحالات فلا يعد الجرم مشهودة ولا يستطيع القيام بأعمال التحقيق الابتدائي.

ب- شروط الجرم المشهود

هناك شروط لابد من أن تتوافر حتى يكون الجرم مشهودة وتتسع معه سلطات الضابطة العدلية، وهذه الشروط هي :

1- مشاهدة الجرم

المشاهدة ضرورية ويجب أن تتم من الموظف ذاته، أي أن يشاهد عضو الضابطة العدلية الذي قام بضبط الجريمة المظاهر الخارجية المادية المحسوسة. فلا يكفي أن يكون قد سمع عن الجريمة من شخص آخر شاهد الجرم،

 كما لا يعد الجرم مشهودة عندما يصل إلى علم عضو الضابطة العدلية نبأ وقوع جريمة حيازة سلاح غير مرخص عن طريق رواية رجل الشرطة بعد انفضاض المشاجرة التي قيل إن المتهم كان يطلق فيها الرصاص من مسدس يحمله.

كذلك لا يعد من حالات الجرم المشهود إحراز مواد مخدرة إذا كان المتهم قد أخرج ورقة من جيبه عند رؤية رجل الشرطة ووضعها بسرعة في فمه، لأن ما حوته تلك الورقة لم يكن ظاهرة حتى يستطيع رجل الشرطة رؤيته..

أما إذا علم عضو الضابطة بوقوع جريمة قتل وانتقل فورة إلى مكان الحادث وشاهد الجثة فعلا وهي تسيل دما، فهذا يعد أنه شاهد المظاهر المادية الخارجية بشكل ملموس تنبئ بوقوع الجريمة منذ فترة قصيرة جداً.

2- أن تكون المشاهدة مشروعة

لا يكفي أن يشاهد عضو الضابطة العدلية إحدى حالات الجرم المشهود بنفسه، وإنما لابد من أن تكون هذه المشاهدة مشروعة ومطابقة للقانون.

 فمثلا لا يعتد بمشاهدة عضو الضابطة العدلية لجريمة ترتكب داخل منزل عن طريق دخوله إلى هذا المنزل بوجه غير قانوني، أو عن طريق مخالفة الأداب والأخلاق العامة مثل النظر من ثقوب الأبواب أو استراق السمع أو اقتحام المنازل.

كذلك إذا حرض عضو الضابطة العدلية شخصا على ارتكاب جريمة، وعندما بدأ في تنفيذها كشف له عن شخصيته، فإن الجريمة المشهودة لا تتحقق في هذه الحالة لأن إثباتها يكون قد تم بوسيلة غير مشروعة.

لكن عمله يكون مشروعاً إذا حدثت مشاهدة الجرم المشهود بطريق الصدفة، أي إذا لم يقم عضو الضابطة العدلية بأي نشاط غير مشروع من جانبه يؤدي إلى القول إنه هو الذي دفع إلى وجود حالة الجرم المشهود.

 مثال إذا كان دخول المحل العام كالمطاعم أو المقاهي أو غيرها من المحلات المفتوحة للجمهور من مقتضيات وظيفته، فإذا شاهد بطريق الصدفة أثناء قيامه بواجبه جريمة قتل أو ضرب أو بيع مخدر وتوافرت فيها إحدى حالات الجرم المشهود، فإن اكتشافها يكون مشروعاَ.

 وإذا كان من الجائز له دخول المحل العام فإنه يجوز له من باب أولى النظر من تقب الباب للاطلاع على ما يجري بداخله، فإذا شاهد جريمة ترتكب في داخله، تكون الجريمة مشهودة لأنها تحققت بوسيلة مشروعة.

إن معیار توافر حالة الجرم المشهود المنتج لأثاره القانونية هو مشروعية أو عدم مشروعية نشاط عضو الضابطة العدلية، فتقوم حالة الجرم المشهود إذا كان النشاط مشروعة، والعبرة هو لتصرف عضو الضابطة العدلية المشروع وليس لما يرد إلى ذهن المشتبه به.

 فإذا ثبت أن عضو الضابطة العدلية لم يكن يريد القبضعلى المشتبه به، وإنما ځل للمشتبه به ذلك عند رؤيته لعضو الضابطة العدلية فتخلى عما كان في حيازته، فإن حالة الجرم المشهود قائمة قانوناً.

كما إذا ألقي شخص بإرادته کيسة أو حقيبة كان يحملها بمجرد رؤيته لعضو الضابطة العدلية في الطريق العام ثم أسرع في سيره، فلما فتح عضو الضابطة الكيس أو الحقيبة عثر فيها على سلاح غير مرخص فإن الجرم يتحقق في هذه الحالة بطريق مشروع وقانوني.

ج- الآثار المترتبة على الجرم المشهود

إن الحكمة من إباحة الالتجاء استثناء إلى بعض إجراءات التحقيق دون استئذان سلطة التحقيق المختصة أصلا بإجرائها، هي أن الجريمة، وقعت في حالة مشاهدة، مما يستدعي استنهاض همة المشرع في أن يسهل الإجراءات بحيث يمكن ملاحقة الجاني والأدلة ما زالت تشير إلى شخصه، لهذا كله خول المشرع من شاهد الجريمة حق مباشرة بعض إجراءات التحقيق على حسب الأحوال، بطريقة عفوية لا يحتاج معها إلى استئذان صاحب السلطة أصلا في إجرائها .

 

Scroll to Top