دعاوى الحيازة ( أحكامها – شروطها – أنواعها )

 دعاوى الحيازة ( أحكامها - شروطها - أنواعها )

لم يعرف القانون دعاوى الحيازة، ولكن معظم الفقهاء انطلقوا في تعريفها من تعريف الحيازة ذاتها التي تعني وضع اليد على شيء، والظهور بمظهر المالك بمواجهة الغير،

وبالتالي فإن دعاوی الحيازة هي التي يملكها واضع اليد بأن يلجأ للقضاء لحماية حيازته بمواجهة أي تهديد، ولا يشترط في الحائز أن يكون مالك، وإن كانت الحيازة قرينة على الملكية،

وعلى ذلك فإن تلك الدعاوى تحمي الحيازة سواء استندت إلى حق الملكية أو كانت تستند إلى سبب قانوني أخر غير حق الملكية كالعقد مثلا، متى تعلقت بالملكية العقارية أو الحقوق العينية الأخرى كحق الانتفاع أو حق الارتفاق، وبالتالي لا تقبل دعاوى الحيازة بالنسبة للمنقول من حيث المبدأ، لأن دعوى حماية المنقول هي دعوى أصلية تتعلق بحق الملكية تسمى دعوى الاستحقاق أو الاسترداد، لأن القاعدة المتعلقة بالمنقول تقوم على أساس أن

 ((الحيازة سند الحائز في الملكية ))، ما لم يثبت العكس.

1- الحيازة التي تتمتع بالحماية:

يجب دائما التفريق بين الحيازة المادية المتمثلة في وضع اليد دون نية الظهور بمظهر المالك، أو بمعنى أخر بين الحيازة العرضية التي تكون لحساب ومصلحة الغير والحيازة القانونية التي تكون فيها الحيازة لحسب ومصلحة الشخص الحائز.

 لهذا فإن الحيازة التي يمكن حمايتها عن طريق دعاوی الحيازة هي الحيازة القانونية، وتكون الحيازة قانونية عندما تستجمع ركنيها المادي والمعنوي من حيث وضع اليد أو السيطرة المادية على الحق العيني،

 ومن حيث أن تلك السيطرة المادية هي لحساب ومصلحة الحائز، وهي حماية مقررة في الأصل للمالك باعتباره الشخص الذي يجمع بين عنصري الحيازة المشار إليهما،

 وإن التنازل عن الحيازة المادية مؤقتة لشخص آخر على سبيل الإيجار أو العارية أو التابع أخر لا يفقد المالك أو الحائز الأصلي الحيازة لأن هؤلاء يعدون حائزين عرضيين، لأن حيازتهم تكون لحساب المالك، وليس لحسابهم الخاص،

 وإن كان يوجد من يقول إن المستأجر والمستعير حائزان قانونيان وبالتالي فإن لهما الحق برفع دعاوى الحيازة بمواجهة من يعتدي عليها الحماية حيازتهما، ولكن لا يحق لهما ذلك بمواجهة المالك لوجود عقد بينهما يحكم تلك العلاقة.

2- الشروط العامة لدعاوى الحيازة:

تحدث المشرع عن ثلاثة أنواع من دعاوى الحيازة ووضع لها قواعد مشتركة هي: دعوى حيازة،  وليس دعاوی حيازة كما هو عليه الأمر في أكثر الدول العربية، ووضع شروطأ لها هي:

أ- منع المدعي من الجمع بين دعاوى الحيازة وأصل الحق:

فإذا أقام المدعي الدعوى ابتداء بمنع المعارضة بحق الملكية، فلا يجوز له بعدها أن يرفع دعاوى الحيازة، ولا أن يطالب في دعوى واحدة باسترداد الحيازة ودعوى الملكية، وذلك تحت طائلة سقوط دعوى الحيازة، لأن الحيازة تشكل وضعأ قانونية مستقلاً عن الأسباب التي يدافع فيها المدعي عن حماية الملكية،

 إلا أن هذا لا يعني عدم جواز استناد الدعوى إلى حق الملكية بوصفه المستند الإثبات الحيازة القانونية، فالذي بيده سند ملكية يعد هو الحائز القانوني الذي يحق له رفع دعوى الحيازة، وعلى من يدعي خلاف ذلك أن يقدم الدليل،

 ويوجد رأي آخر يقول بعدم جواز ثبوت الحيازة وتوافر شروطها بناء على سند الملكية، بل يعد هذا دلي مساندة يتوجب معه على القاضي أن يتحقق من قيام الحيازة الفعلية بشروطها القانونية، لأن الحيازة تتفوق على مستند الملكية، إلا أن إقامة الدعاوى المستعجلة لا يمنع من إقامة دعاوى الحيازة وإن كانت تتفق معها. كما سنرى . من حيث عدم التعرض لأصل الحق.

ب- منع الدفع في دعاوى الحيازة بالاستناد إلى أصل الحق:

فلا يجوز للمدعي أن يقيم دعواه على أساس أصل الحق، فإنه عملاً بمبدأ توازن الطلبات والدفوع لا يجوز للمدعى عليه أن يدفع الدعوى على أنه مالك، أو أنه صاحب حق عيني على العقار محل الحيازة، ولكن يستطيع أن يدفع أن حيازته مشروعة أو الحيازة انتقلت إليه من المدعي أو ممن يمثلونه قانوناً.

ج- لا يجوز استناد حكم الحيازة على أساس ثبوت الحق أو نفيه:

يرى بعض الفقهاء أنه

 (( لا يجوز للقاضي المختص بنظر دعوى الحيازة أن يفحص المستندات المتعلقة بالحق أي سندات الملكية أو يبني حكمه على هذه المستندات)

، بينما ذهب بعض الاجتهاد القضائي بعكس هذا الرأي، حيث جاء في قرار المحكمة النقض السورية أنه

 ((لئن كان لا يجوز الحكم في دعاوى الحيازة على أساس ثبوت أصل الحق أو نفيه إلا أن هذا لا يمنع قاضي الحيازة من البحث في أصل الحق و مستنداته للاستئناس و بالقدر الذي يقتضيه التحقق من شروط الدعوى و البت فيها دون التعرض في الحكم لأصل الحق و ذلك حماية لصاحب الحق الظاهر ))

 ومع هذا، فإنه لا يجوز بناء الحكم في دعوى استرداد الحيازة على أساس ثبوت الحق أو نفيه و لا الفصل في أساس الحق الذي يعود إلى المحكمة المختصة، و الحكم الصادر في دعاوی استرداد الحيازة لا يكسب حجية مانعة من الادعاء بأساس الحق لدى المحكمة المختصة.

د- الحيازة المحمية هي لمن له الحيازة المادية:

إذا تنازع أشخاص متعددون على حيازة حق واحد، ممد بصفة مؤقتة أن حائزه هو من له الحيازة المادية إلا إذا ظهر أنه قد حصل على هذه الحيازة بطريقة معيبة.

3- أنواع دعاوى الحيازة:

نص قانون أصول المحاكمات على ثلاثة أنواع من دعاوى الحيازة هي دعوى استرداد الحيازة ودعوى وقف الأعمال الجديدة ودعوى منع التعرض. لذلك سنبين باختصار الأحكام الخاصة بكل نوع منها وفق الأتي:

أ- دعوی استرداد الحيازة:

يقصد بدعوى استرداد الحيازة الدعوى التي يطلب المدعي بها رد العقار المغصوب من حائزه، فإذا انتزع شخص حيازة عقار من أخر كان لمن فقد الحيازة طلب استردادها، وتستلزم دعوى استرداد الحيازة توفر عنصر الغصب، لأن أساسها حماية وضع اليد من التعدي ومنع الأفراد من اقتضاء الحقوق بأنفسهم غصبة، ويشترط في هذه الدعوى:

1 – أن يكون المدعي حائزة للعقار محل الدعوى:

يجب أن تكون حيازة المدعي قائمة فعلا بتاريخ نزعها من تحت يده، وأن تكون حيازته للعقار حيازة قانونية مستجمعة لعنصريها المادي والمعنوي ويفترض أن المالك بالسجل العقاري هو من له الحيازة المادية والقانونية،

وهذا ما أكدته الهيئة العامة لمحكمة النقض السورية بالقول إنه

 ((في دعاوى الحيازة يعتبر المالك قيدا في السجل العقاري هو المالك للعقار ماديا ومعنوية، وعلى واضع اليد على العقار إثبات مشروعية وضع يده بالطرق المقبولة قانونا والعدول عن كل اجتهاد مخالف))

 لذلك، يجب أن يتوافر في الحيازة عنصران: عنصر مادي و هو السيطرة المادية، و عنصر معنوي و هو نية استعمال الحق لنفسه والظهور بمظهر صاحب الحق في العقار،

 فإذا لم يتوافر هذا العنصر كانت الحيازة عرضية، مثال ذلك حيازة المستأجر و المنتفع و المرتهن حيث يجوز لهم إقامة دعوى استرداد الحيازة و منع التعرض ضد الغير الذي يعتدي على الحيازة، وإذا كانت دعوى الحائز العرضي ضد الشخص المتعاقد معه فإن الخلاف يكون حول الحق في وضع اليد ويشكل نزاع يتعلق بأصل الحق فلا تشمله دعوى استرداد الحيازة.

2- أن تكون الحيازة هادئة وعلنية ومستمرة:

 يلزم كي يستطيع المدعي أن يتمسك بدعاوی الحماية بطلب استرداد العقار إذا كانت حيازته غير هادئة أو كانت محل نزاع، ولا تسمع الدعوى من الحائز إلا بعد مرور سنة على حيازته إلا إذا كان فقد الحيازة إذا كان فقد الحيازة بالقوة، فللحائز في هذه الحالة أن يسترد في ميعاد سنة حيازته من المعتدي.

 3 – أن تفقد الحيازة بفعل من أفعال التعدي أو الاغتصاب :

يعد وضع اليد على عقار الغير دون سبب مشروع بحكم الاغتصاب، إذا كان من شأن ذلك فقد المدعى للسيطرة المادية على العقار محل الحيازة،

 أو بمعنى آخر أن يكون الفعل مؤدية إلى منع الحائز من استرداد حيازته دون أن يصطدم بعقبة مادية دائمة، أو أن الفعل أو الاعتداء وقع بطرق العنف والإكراه، أو بطريق الخديعة والغش، أو أنه وقع ضد إرادة الحائز أو على الرغم من معارضته،

 ولا يشترط أن يقع العنف أو الاعتداء على الحائز شخصية، أو على غيره، بل يمكن أن يكون الاعتداء موجها على العقار مباشرة،

وعلى ذلك فإن التسامح بإسكان الطاعن بالعقار لا ينشئ له حقا وعليه مغادرته إذا ما طلب منه ذلك، وإذا كانت يد الزوج مشروعة تبعاً للزوجية فإن انقضاء الزوجية بالتفريق يجعل الاستمرار بالإشغال و الحيازة غير مشروع و يتيح المطالبة باسترداد الحيازة و وتصبح يد الزوج بعد انفصام الزوجية يد غاصبة ما دامت لا تقوم على سبب مشروع.

 4 – يجب أن تقام الدعوى بأسرع وقت:

يعد الغصب حالة من حالة الاعتداء على الاستقرار المدني، ويشكل سلوكا خطرة، وبالتالي يتوجب على من فقد الحيازة أن يقيم الدعوى بأسرع وقت ممكن، وقد حدد المشرع مدة إقامة الدعوى بسنة من تاريخ فقد الحيازة إذا لم تكن تستند إلى حق الملكية، ولا تبدأ مهلة السنة إلا من تاريخ اكتشاف الغصب إذا كان قد تم خفية،

 وفي المناطق التي جرت فيها معاملات التحديد والتحرير المالك الحق العيني المسجل في السجل العقاري أن يرفع دعوى استرداد الحيازة بدون التقيد بشرط المدة،

وإذا شطبت دعوى الحيازة التي لا تستند إلى قيود السجل العقاري وجب تجديدها قبل انقضاء السنة من تاريخ وقع الاعتداء أو التعرض، وإلا سقط الحق بها، لأن مهلة السنة هي السنة من تاريخ وقع الاعتداء أو التعرض، وإلا سقط الحق بها، لأن مهلة السنة هي مهلة سقوط وليست مهلة تقادم.

5 – أن ترفع الدعوى من شخص أحق بالتفضيل:

لا تقبل الدعوى بمواجهة حيازة شخص آخر أحق بالتفضيل، والحيازة الأحق بالتفضيل هي الحيازة التي تقوم على سند قانوني.

 فإذا لم يكن لدي أي من الحائزین سند أو تعادلت سنداتهم كانت الحيازة الأحق هي الأسبق في التاريخ. فالهدف من دعاوى الحماية المقررة لحيازة العقار هو الحفاظ على الأوضاع المستقرة في المجتمع باعتبارها تتعلق بالأمن المدني.

 ب- دعوى وقف الأعمال الجديدة:

يقضي المبدأ القانوني أنه لمن حاز عقار، واستمر حائزا له سنة كاملة، وخشي لأسباب معقولة التعرض له من جراء أعمال جديدة تهدد حيازته كأعمال الحفر أو الإزالة أو البناء، ويكون من شأن استمرارها أن يهدد حيازة المدعي بخطر أو ضرر،

 كان له أن يرفع دعوى بطلب وقف هذه الأعمال بشرط ألا تكون قد تمت ولم ينقض عام على البدء فيها ،

 وللقاضي أن يمنع استمرار الأعمال أو يأذن في استمرارها، وفي كلتا الحالتين يجوز للقاضي أن يأمر بتقديم كفالة مناسبة، تكون في حالة الحكم بوقف الأعمال ضمان للتعويض عن الضرر الناشئ من هذا الوقف متى تبين بحكم نهائي أن الاعتراض على استمرارها كان على غير أساس،

 وتكون في حالة الحكم باستمرار الأعمال ضماناً لإزالة هذه الأعمال كلها أو بعضها تعويضاً للضرر الذي يصيب الحائز إذا حصل على حكم نهائي في مصلحته،

ولا توجد صلة بين هذه الأعمال التي تبرر رفع هذه الدعوى من دعاوى الحيازة، وبين طلب وقف الإعمال كدعوى مستعجلة.

ج- دعوى منع التعرض:

يحق للشخص الذي حاز عقار حيازة مادية ومعنوية، أن يقيم دعوى حماية بمواجهة من يتعرض للحيازة بأي فعل ممانعة أو اعتداء أو تهدید جدي بالاعتداء، تسمى دعوى منع التعرض،

 تقوم هذه الدعوى بذات الشروط التي يجب توافرها في دعوى استرداد الحيازة،

ويصح أن ترفع هذه الدعوى من المالك بالسجل العقاري كما ترفع من المستأجر والمنتفع والمرتهن رهن حيازي، ويكفي التحقق فعل التعرض مجرد تعكير الحيازة والمنازعة فيه،

إلا أنه لا يجوز للمستأجر رفع دعوى منع التعرض ضد المؤجر لان حيازته تقوم على عقد الإيجار و إنما له رفعها ضد الغير وان دعوى منع التعرض بوصفها من الدعاوى التي تهدف الحيازة بذاتها بغض النظر عن الملكية،

لذلك فهي تختلف عن دعوى منع المعارضة في الملكية التي تقوم على أنه للمالك وحده في حدود القانون حق استعمال ملکه واستغلاله، وليس من حق أحد أن يعارضه في ذلك، والدعوي في هذه الحالة تكون دعوى ملكية وليس دعوى حيازة.

Scroll to Top