تقيد المحكمة بحدود الدعوى الجزائية المطروحة أمامها في القانون السوري

تقيد المحكمة بحدود الدعوى الجزائية المطروحة أمامها في القانون السوري

تقيد المحكمة بحدود الدعوى المطروحة أمامها

من المبادئ الأساسية في أصول المحاكمات الجزائية، فصل سلطة الادعاء عن سلطة الحكم. لذلك يجب على المحكمة أن تتقيد بالأشخاص المحالين إليها كمدعى عليهم، وبالوقائع المسندة إليهم، فلا يحق لها الحكم على غير هؤلاء الأشخاص أو النظر في تلك الأفعال، وإنما لها حق تعديل الوصف القانوني للأفعال المادية.

وهذه قاعدة أساسية من قواعد الأصول الجزائية يترتب على مخالفتها البطلان، فهي من النظام العام. ويجوز التمسك بهذه القاعدة في أية حالة كانت عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض.

أ- حصر سلطة المحكمة بالأشخاص المقامة عليهم الدعوى

الدعوى الجزائية شخصية لا تشمل غير الأشخاص المرفوعة عليهم.

فالمحكمة مقيدة بالشخص الذي أقيمت عليه الدعوى، فليس لها أن تدخل أشخاص آخرين في الدعوى بوصفهم متهمين آخرين معه،

كما لا يجوز لها أن تحكم بعقوبة على من دعي أمامها بصفته شاهدا أو مسؤولا بالمال إذا اتضح لها أنه فاعل أو شريك في الجريمة.

 وإذا تحققت مثلاً من مساهمة المدعي الشخصي في الجرم الذي ادعى به، وقفت مكتوفة الأيدي إزاءه انتظاراً لادعاء من النيابة العامة أو الادعاء شخصي من المتضرر”.

ب- حصر سلطة المحكمة بالوقائع المدعى بها في الدعوى المعروضة عليها

الدعوى الجزائية عينية بالنسبة إلى الواقعة الجرمية المدعى بها، لذلك تقتصر المحكمة على النظر في وقائع الدعوى المبينة في ادعاء النيابة العامة أو المدعي الشخصي أو في قرار الظن أو الاتهام الصادرين عن قضاء التحقيق، دون أن تتجاوزها إلى وقائع جديدة عرضت أثناء المحاكمة.

 أي إن المحكمة لا تستطيع إضافة تهمة جديدة أو إبدال تهمة بأخرى، وإلا كان حكمها باطلاً، ذلك أن تشريعنا يقوم على مبدأ الفصل التام بين سلطة الاتهام والتحقيق وبين قضاء الحكم.

فإذا أقيمت الدعوى العامة على شخص بجرم حيازة السلاح، فإن جنوح المحكمة إلى البحث في جرم التهديد به دون ادعاء من النيابة العامة يعد مخالفة لأحكام القانون .

كذلك إذا قدمت النيابة العامة المتهم لمحاكمته على جريمة اعتداء بالضرب على شخص معين، لكن المحكمة عند نظرها الدعوى تحققت أن المتهم اعتدى على شخص أخر غير الشخص المذكور اسمه في الدعوى وأدانت المتهم بذلك، فإن حكمها يكون مستوجبة للنقض لأنها فصلت في واقعة لم تكن معروضة عليها.

 ج- حق المحكمة في تغيير وصف الجريمة

إن المحكمة حين تضع يدها على الدعوى تدرس الواقعة وما رافقها من ظروف وملابسات وتوازن بينها وبين النص القانوني الذي ينطبق عليها، فإذا اندرجت هذه الواقعة تحت نص يعاقب عليها، قضت بالعقوبة التي قررها النص القانوني، واذا لم تندرج تحت أي نص قانوني، قضت بعدم المسؤولية لأن الفعل لا يشكل جرماً.

فلا يجوز للمحكمة أن تحكم بالبراءة بحجة أن المادة القانونية المستند إليها في الادعاء أو القرار الظني لا تنطبق على الواقعة، بل عليها أن تبحث عن النص القانوني الذي يطال هذه الواقعة شرط أن لا تتجاوز حدود اختصاصها أو تأتي بواقعة جديدة.

كما أن من حق المحكمة أن تعدل الوصف القانوني الذي أطلق على الواقعة، سواء من قبل النيابة العامة أو المدعي الشخصي أو قاضي التحقيق أو قاضي الإحالة وتستبدله بالوصف القانوني الصحيح، وهذا لا يتنافى مع مبدأ عينية الدعوى طالما أن المحكمة لم تلجأ إلى تغيير الواقعة أو إضافة وقائع جديدة لها.

 فالمحكمة مقيدة بالواقعة لا بوصفها القانوني.

فإقامة الدعوى بالواقعة من حق النيابة العامة وحدها، أما الوصف فهو من حق القانون وتستقل المحكمة به وفقا لظروف القضية وملابساتها.

وتطبيقا لهذا المبدأ، إذا قرر قاضي التحقيق اعتبار الفعل من نوع الاحتيال ونفي عنه صفة إساءة الائتمان، فليس هناك ما يمنع المحكمة من أن تصف الفعل في حكمها بإساءة الائتمان خلافا لما قرره قاضي التحقيق.

وإذا عدلت المحكمة في الوصف، فلا تبرئ من الوصف الأول المعطى إلى الفعل في الادعاء أو قرار الظن، بل عليها أن تقول إن الفعل كما عرض أمامها ينطبق عليه الوصف الجديد الذي ارتأته وتحكم على أساسه مستبعدة الوصف القديم.

وإذا كان للمحكمة أن تعدل الوصف مع الإبقاء على الوقائع ذاتها، فإن لها من باب أولى أن تعدل هذا الوصف على أساس استبعاد بعض الوقائع لعدم ثبوتها أو لعدم ثبوت نسبتها إلى المتهم، كما لو أقيمت الدعوى على المتهم بأنه ارتكب جريمة سرقة مع أخر بالعنف والشدة، ثم رأت محكمة الجنايات بأن السرقة لم تقع إلا من المتهم وحده ودون عنف أو شدة وعاقبت المتهم على هذا الوصف الجديد للجريمة، فإن ذلك جائز لأن كل ما أجرته المحكمة أنها استبعدت من الوقائع المرفوعة بها الدعوى جزءأ واستبقت الأجزاء الأخرى، وعاقبت المتهم استنادا إلى حقها في ذلك.

ولمحكمة الموضوع أن تضفي على الواقعة ظروف مخففة أو ظروف مشددة، فيجوز للمحكمة أن تستبعد بعض الظروف المشددة من الواقعة التي رفعت بها الدعوى، لأن المحكمة تملك تغيير الوصف القانوني للواقعة من قتل مقصود إلى ضرب أفضى إلى الموت لعدم قيام الدليل على توفر نية القصد. ومن قتل عمد إلى قتل مقصود فقط.

كما للمحكمة أيضأ إذا رأت أن ثمة ظروف مشددة اقترنت بأفعال المتهم – ولكن هذه الظروف لم يرد لها ذكر في قرار الإحالة أو الاتهام – أن تضيف هذه الظروف، ويشترط في الظروف أن تكون واقعة لاصقة بالواقعة ذاتها، أو واقعة داخلة في الأفعال الجرمية التي أتاها المتهم. ولا يعد ذلك خرقاً لمبدأ عينية الدعوى طالما أنها مستمدة من ذات الوقائع وعناصرها وظروفها.

 فللمحكمة الحق بتعديل جناية القتل قصداً إلى القتل عمد، أو إلى القتل قصدأ تمهيداً أو تسهيلاً لجناية.

ويجب على المحكمة عند تغييرها للوصف القانوني أن تنتبه المدعى عليه إلى هذا  التغيير حتى تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه.

كما لمحكمة الموضوع أيضأ حق تصحيح ما قد تقع فيه النيابة العامة من أخطاء مادية، شريطة ألا يترتب على الخطأ تعديل في الوقائع يؤدي إلى الخروج عن مبدأ عينية الدعوى، كأن يحال المدعى عليه إلى محكمة الموضوع بجرم إساءة الأمانة، فتخطئ النيابة العامة في رقم المادة القانونية التي تنطبق على إساءة الأمانة، أو بالعكس.

 كذلك لو ذكر في قرار الإحالة خطأ أن واقعة العامة المسندة إلى المدعى عليه هي باليد اليمني في حين أنها باليد اليسرى، فذلك مجرد خطأ في الكتابة مما تملك المحكمة المحالة إليها الدعوى تصحيحه والسير في المحاكمة على أساس هذا التصحيح.

 ولا يسوغ في هذه الحالة عد الواقعة مكونة التهمة جديدة غير المرفوعة بها الدعوى .

كما أن المحكمة تتولى تصحيح ما يقع في حكمها من أخطاء مادية كتابية أو حسابية وذلك بقرار تصدره إما من تلقاء ذاتها أو بناء على طلب أحد الخصوم من غير مرافعة، ويدون كاتب المحكمة التصحيح على نسخة الحكم الأصلية وفي السجل ويوقعه مع الرئيس .

 

Scroll to Top