المبادئ الأساسية في التحقيق الابتدائي في القانون السوري

التحقيق الابتدائي والمبادئ الأساسية له في القانون السوري

تعريف التحقيق الابتدائي

يطلق تعبير التحقيق الابتدائي على البحث الذي يقوم به قاضي التحقيق وقاضي الإحالة لجمع الأدلة التي تثبت قيام الجريمة، وتقدير قيمتها، للتأكد مما إذا كانت كافية أو غير كافية لإثبات هذه الجريمة، وقوعاً وفاعلاً .

 أي هو مرحلة وسط تلي مرحلة التحقيق الأولي وتسبق مرحلة المحاكمة.

لذلك يمكن تعريف التحقيق الابتدائي بأنه مجموعة من الإجراءات التي تسبق المحاكمة وتهدف إلى جمع الأدلة بشأن وقوع فعل يعاقب عليه القانون وملابسات وقوعه ومرتكبه وفحص الجوانب المختلفة لشخصية الجاني ثم تقدیر ذلك كله لتحديد كفايته لإحالة المتهم للمحاكمة.

 أي يهيئ التحقيق الابتدائي ملف الدعوى العامة كي يتسني لقضاء الحكم أن يقول كلمته في تلك الدعوى.

فالهدف الأساسي من التحقيق الابتدائي الوصول إلى الحقيقة عن طريق تمحيص الأدلة والتأكد من كفايتها حول نسبة الجريمة إلى المدعى عليه. فأهمية التحقيق الابتدائي تكمن في كونه يعمل على اكتشاف الأدلة المتعلقة بالجريمة في الوقت المعاصر لها، أي قبل أن تتشوه أو تتلاشى، كما يعمل على الموازنة بين هذه الأدلة لاستبعاد الدليل الضعيف وتكوين رأي أولي حولها ليكفل إحالة الحالات التي تتوافر فيها أدلة كافية إلى المحاكم، حتى لا يمثل أمام المحكمة إلا من توافرت ضده أدلة كافية لاتهامه مستندة إلى أسس قانونية وواقعية متينة.

وقد أثبتت الوقائع أن التحقيق الابتدائي يلعب دورا أساسياً في تقرير مصير الدعوى الجزائية، لأن قضاة الموضوع يعتمدون عليه كثيرة، ولو كانوا غير ملزمين به، الأن ضغط العمل عليهم لا يتيح لهم أن يقوموا بأنفسهم دوماً بإجرائه أو بالتوسع فيه.

لذلك وصف التحقيق بأنه (ابتدائي)، لأنه يهدف إلى التمهيد لمرحلة المحاكمة عن طريق تجميع العناصر التي تتيح لسلطة الحكم الفصل في الدعوى، فقضاء التحقيق ليس من شأنه أن يفصل في الدعوى العامة بالبراءة أو بالإدانة.

ومن أجل ذلك كله، لابد للسلطة المختصة بالتحقيق الابتدائي من أن تتخذ بعض الإجراءات التي تمس حقوق الأفراد وحرياتهم من أجل الكشف عن الحقيقة مع توفير الضمانات الكافية للمدعى عليه ليتمكن من الدفاع عن نفسه.

لذلك لابد من تقسيم هذا الجزء إلى ثلاثة أجزاء نتعرف فيها على:

أولا: المبادئ الأساسية في التحقيق الابتدائي.

ثانيا: قاضي التحقيق.

 ثالثا: قاضي الإحالة.

المبادئ الأساسية في التحقيق الابتدائي

تقسم المبادئ الأساسية في التحقيق الابتدائي الى:

1- الفصل بين التحقيق الابتدائي والادعاء.

 2- الفصل بين التحقيق الابتدائي والحكم.

 3- صفات التحقيق الابتدائي

الفصل بين التحقيق الابتدائي والادعاء

 الأصل أن الادعاء من اختصاص النيابة العامة وهو إقامة الدعوى العامة على مرتكب الجريمة واحالته إلى الهيئات القضائية المختصة.

 أما التحقيق الابتدائي فهو ما يتخذ من إجراءات تهدف إلى جمع الأدلة التي تؤيد وجود الجريمة والقيام بالتحريات التي تفيد في إسناد الجريمة إلى المتهم بارتكابها.

 فالتحقيق الابتدائي يقوم في جوهره على التنقيب عن أدلة الدعوى سواء أكانت لمصلحة المتهم أو في غير مصلحته واتخاذ قرار بمدى كفايتها لإحالته إلى المحاكمة.

 وبذلك يظهر أن سلطة الادعاء تقف موقف الخصومة من المتهم، بينما تمثل سلطة التحقيق حكمة محايدة بين الادعاء والمتهم.

لذلك كان لابد من إسناد مهمة التحقيق الابتدائي إلى سلطة تتصف بالحياد والنزاهة والكفاءة، أي أن تتوافر فيها صفات تبعث على الاطمئنان لتحقيق العدالة فيما يتعلق بالمتهم، إلى جانب اهتمامها بالتنقيب عن أدلة الاتهام.

فالفصل بين سلطتي التحقيق والادعاء، يكفل للأفراد تحقيق العدالة، لأن مثل هذا  الفصل يمنع النيابة العامة من أن تجمع بين هاتين السلطتين التي تجعل منها عندئذ خصمة وحكمة في الوقت ذاته.

الفصل بين سلطة التحقيق الابتدائي والحكم

 نصت المادة 56 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه:

 “لا يجوز القاضي التحقيق أن ينظر أو يحكم في الدعوى التي حقق فيها”.

 وهذا المنع يسري أيضا على قاضي الإحالة، لأنه يعد من قضاة التحقيق ولا يحق له أن ينظر أو يحكم في الدعوى التي حقق فيها.

يتبين من هذه المادة أن المشرع حرص عندما شرع هذه القاعدة على إعطاء سلطة التحقيق استقلاله في عملها عن قضاء الحكم.

والهدف هو تحقيق العدالة، فلا يجوز لمن قام بالتحقيق في قضية معينة أن يتولى الفصل فيها، لأنه قد يتأثر بما تكون لديه من قناعة أثناء التحقيق في الدعوى.

فالهدف من وراء هذا الفصل بين سلطتي التحقيق الابتدائي والحكم هو ضرورة ابتعاد قاضي الحكم عن تكوين رأي مسبق في الدعوى التي حقق فيها.

فالقاضي المحقق الذي قرر إحالة المتهم إلى المحكمة، يكون مقتنعا بجرميته، فإذا جلس لمحاكمته كقاضي حكم، فمن الجائز أن يتشبث برأيه الأولي ويستمر في الاتجاه ذاته وإن ظهر له خطأ هذا الرأي، لذلك فإنه من الأفضل القضاء الحكم أن لا يحكمه أي رأي مسبق في الدعوى المطروحة أمامه حتى يستطيع الحكم فيها بصورة مجردة وبحياد تام.

 ولكن التساؤل الذي يمكن أن يطرح هو ما هي الأعمال التحقيقية التي تمنع القاضي إذا قام بها من أن يحكم في الدعوى، أي ما هي الأعمال التي تعد كافية لتكوين رأي للقاضي في الدعوى؟.

يكفي أن يكون المحقق قد أقدم على عمل تحقيقي بالمعنى الحقيقي، فإذا قام بجزء من تحقيق في الدعوى سواء أكان ذلك داخلاً في عمله أو قام به بطريق الإنابة، كما لو استجوب المدعى عليه، أو قرر توقيفه، أو سمع شاهدأ، أو قرر لزوم محاكمة المدعي عليه… الخ فهذه الأعمال كلها تعد أعمالاً تحقيقية جوهرية تسمح له بتكوين رأي واضح في القضية.

Scroll to Top