نصت المادة 476 من قانون أصول المحاكمات على :
للمدين إذا أراد تبرئة ذمته مما هو مقر به نقداً كان أو غيره أن يعرضه على دائنه بواسطة مأمور التنفيذ.
ويتضح من هذا النص أن المشرع أجاز للمدين الذي يرغب في إبراء ذمته من الدين أن يلجأ إلى إجراءات العرض الفعلي بعد أن يرفض الدائن أن يتسلم منه المبلغ أو الشيء المنقول الذي يعتبر انه مدين به ، كما أنه و من جهة أخرى قد يكون للمدين مصلحة بإيفاء الدين لتلافي دفع الفوائد أو الأعباء المالية الأخرى المترتبة على الدين أو أن يتخلص من تحمل تبعة هلاك الشيء الموجود تحت يده لمصلحة الدائن أو يكون الدين تعويضا عن جرم جزائي لا يستطيع المدين أن يحصل على وقف الحكم النافذ إلا بإيفائه إلى الدائن … ولا يكفي المدين بقصد إبراء ذمته أن يعلن عن رغبته في دفع الدين إلى الدائن بأي تصريح يدلي به. بل يتوجب عليه أن يقوم بعرض المبلغ أو الشيء المتوجب عليه عرضاً فعلياً وذلك بواسطة مأمور التنفيذ الذي ينظم محضراً بهذا الإيداع ويبلغ إلى الدائن أصولا .
نصت المادة 477 من قانون أصول المحاكمات على :
يجب أن يشتمل محضر العرض أو ورقة التكليف على بيان جنس النقود وعددها ووصف الشيء المعروض وصفاً دقيقاً وبيان شروط العقد وذكر قبول المعروض عليه أو رفضه.
ويتضح من هذا النص انه يجب أن ينظم مأمور التنفيذ محضراً بالعرض الجاري من قبل المدين ويتضمن المحضر المذكور:
1 ـ تعيين الشيء المعروض تعييناً كافياً للدلالة عليه إذا كان من الأشياء المعينة بذاتها وإذا كان من الشكليات فيجري تعيينه بالوزن أو الكيل أو المقدار أما إذا كان من النقود فيعين نوعها وكميتها.
2 ـ ذكر قبول الدائن أو رفضه للعرض.
3 ـ توقيع الدائن أو الإشارة إلى رفضه التوقيع أو إلى تصريحه بأنه لا يستطيع التوقيع وتترك للدائن نسخة عن هذا المحضر.
وإذا رفض الدائن العرض يثبت هذا عن طريق مأمور التنفيذ ، ولا يجوز للمدين تقديم البينة عليه بواسطة الشهود حتى إذا كان المبلغ لا يتجاوز نصاب الشهادة لأن الأمر لا يقتصر هنا على مجرد الإثبات بل يتصل بصحة المحضر بالذات الذي يجب أن يتضمن هذه البيانات تحت طائلة البطلان.
4 ـ يجب أن يذكر في محضر العرض بيان شروط العقد الذي انتج الدين أو الذي ترتب الدين نتيجة له وإذا كان ناتجا عن حكم قضائي كالتعويض عن جرم جزائي وجب إيداع صورة مصدقة عن ذلك الحكم.
و لا يعتد بقبول الدائن للعرض إلا إذا كان هذا القبول قاطعاً غير مقترن بشروط أو تحفظات من شأنها المساس بحقوق المدين ولا يشترط لصحة العرض إرسال إنذار للدائن لحضور جلسة تنظيم محضر مأمور التنفيذ. ويعتبر المحضر المنظم من قبل مأمور التنفيذ ذا قوة ثبوتية مطلقة بشأن قبول العرض أو رفضه إلى أن يدعى بتزويره.
نصت المادة 478 من قانون أصول المحاكمات على :
إذا رفض العرض وكان المعروض من النقود أودع صندوق الدائرة في اليوم التالي لتاريخ المحضر على الأكثر وعلى المأمور تبليغ الدائن صورة محضر الإيداع.
ويتضح من هذا النص انه إذا رفض الدائن العرض يدون رفضه في المحضر الذي ينظمه مأمور التنفيذ ويوقع عليه إثباتاً لهذا الأمر على أن رفض التوقيع منه لا يؤثر في هذه الحال إذ يكفي تصريح مأمور التنفيذ بذلك إثباتاً للعرض والرفض … فإذا تم العرض على الدائن ورفض استلام النقود المعروضة عليه قام مأمور التنفيذ بالإضافة إلى تنظيم محضر العرض هذا بإيداع المبلغ المعروض في دائرة التنفيذ في اليوم التالي لتاريخ المحضر وأبلغ الدائن صورة عن محضر إيداع المبلغ في صندوق الدائرة.
نصت المادة 479 من قانون أصول المحاكمات على :
إذا رفض العرض وكان المعروض شيئاً غير النقود جاز للمدين أن يطلب من رئيس التنفيذ تعيين حارس لحفظه في المكان الذي يعينه.
ويتضح من هذا النص انه قد يكون الشيء المعروض على الدائن من غير النقود كأن يكون شيئاً من المنقولات في هذه الحالة إذا رفض الدائن العرض وبعد تنظيم مأمور التنفيذ الضبط الذي يثبت رفض الدائن للعرض جاز للعارض وهو المدين أن يطلب إلى رئيس التنفيذ:
1 ـ تعيين مكان مخصص لحفظ الشيء المعروض.
2 ـ تعيين حارس على هذا الشيء المعروض لحراسته وحفظه في مكان إيداعه الذي يعينه رئيس التنفيذ. وتكون نفقات هذا الحارس والإيداع مبدئياً على نفقة وذمة الدائن ما لم يحكم بعدم صحة العرض أو بطلانه.
نصت المادة 480 من قانون أصول المحاكمات على :
يجوز طلب الحكم بصحة العرض أو ببطلانه وبصحة الإيداع أو عدم صحته بالطرق المعتادة لرفع الطلبات الأصلية أو العارضة.
ويتضح من هذا النص انه عندما يرفض الدائن عرض المدين يلجأ هذا الأخير عادة إلى إقامة الدعوى لإثبات صحة هذا العرض ، ويجوز للدائن أن يقيم بدوره الدعوى لإبطال عرض المدين وتقرير عدم كفايته وترفع هذه الدعوى وفقاً للقواعد الموضوعة للدعاوى الأصلية.
وقد ترفع تلك الدعوى بصورة طارئة أثناء دعوى أصلية تتعلق بالدين أو تتفرع عن عملية العرض والإيداع كما إذا أقام الدائن الدعوى مطالباً بالدين وطلب المدين الذي أجرى العرض الفعلي تقرير صحة هذا العرض. وقد ترفع الدعوى قبل الإيداع بطلب الحكم فيها بصحة العرض أو إبطاله أو ترفع بعد الإيداع فتتعلق عندئذ بالعرض والإيداع معاً ، وإذا رفعت قبل الإيداع وحكم بصحة العرض الفعلي قضت المحكمة بذات الوقت بوجوب إيداع الشيء أو المبلغ المعروض إذا كان الدائن قد امتنع عن تسلمه.
وتعتبر هذه الدعوى من الدعاوى الشخصية فترفع أمام المحكمة التي يقيم المدعى عليه ضمن دائرتها ، أما الدعوى الطارئة فتقام أمام المحكمة التي تنظر في الدعوى الأصلية المرفوعة إليها وتبعاً لهذه الدعوى.
وصحة إجراء العرض والإيداع أو بطلانه هي مسألة واقع يعود تقديرها إلى محاكم الأساس بصورة مطلقة ، وقد ذهب الاجتهاد إلى إقرار صحة العرض ولو كان معيباً في الشكل إذا رفضه الدائن عن سوء نية ، كما ذهب إلى إبطال هذا العرض ولو كان صحيحاً في الشكل إذا تبين من ظروف القضية أنه غير جدي.
نصت المادة 481 من قانون أصول المحاكمات على :
1 ـ يجوز العرض حال المرافعة أمام المحكمة بدون إجراءات أخرى إذا كان من يوجه إليه العرض حاضراً.
2 ـ تسلم النقود المعروضة عند رفضها لكاتب الجلسة لإيداعها صندوق المحكمة.
3 ـ يذكر في محضر الإيداع ما أثبت في محضر الجلسة من بيانات الخصوم المتعلقة بالعرض ورفضه.
4 ـ إذا كان المعروض في الجلسة من غير النقود فعلى العارض أن يطلب إلى المحكمة تعيين حارس عليه لحفظه كما ذكر.
5 ـ لا يقبل الحكم الصادر بتعيين الحارس طريقاً من طرق الطعن.
6 ـ للعارض أن يطلب على الفور الحكم بصحة العرض.
ويتضح من هذا النص انه :
1 ـ بعد أن أوجب المشرع في المادة 476 من قانون الأصول أن يكون العرض على لدى دائرة التنفيذ وان ينظم المأمور محضراً بهذا العرض وفقاً للأصول المقررة في هذا الباب عاد وقبل بجواز إجراء العرض أثناء النظر في الدعوى والمرافعة فيها وبدون اللجوء إلى طريقة العرض على يد مأمور التنفيذ، ولكن يشترط هنا أن يكون الوكلاء الجاري العرض على يدهم حائزين توكيلاً خاصاً بشأنه ، ويعتبر حضور وكيل الدائن كحضور الدائن في هذه الحالة وإلا لوجب دعوة المدعى عليه (الدائن) لحضور الجلسة التي يتم فيها العرض.
2 ـ إذا كان المعروض نقوداً ورفض الدائن تسلم المعروض في الجلسة التي يجري فيها العرض سلمت النقود إلى كاتب الجلسة ليقوم بإيداعها في صندوق المحكمة بعد أن يقوم بتنظيم محضر الإيداع يثبت فيه ما أثبته في محضر الجلسة من بيانات الخصوم (العرض ورفض تسلم النقود المعروضة وأسباب هذا الرفض) أما إذا كان المعروض في الجلسة من غير النقود كالمنقولات فإنه يتوجب على العارض أن يطلب إلى المحكمة تعيين حارس عليها وحفظها في مكان تعينه المحكمة ولا يقبل الحكم الصادر بتعيين الحارس طريقاً من طرق الطعن.
3 ـ قرار المحكمة بتدوين إجراءات هذا العرض والمصادقة عليه ينوب عن المحضر الذي ينظمه مأمور التنفيذ وفقاً لأحكام المادة 477 أصول محاكمات مدنية ، كما أن هذا العرض الفعلي يكون جائزاً أمام محكمة الاستئناف لأول مرة إذ يعد بمثابة دفاع في الطلب الأصلي ويحق للمحكمة أن تأمر عندئذ بإيداع المبلغ المعروض خزانة المحكمة.
نصت المادة 482 من قانون أصول المحاكمات على :
1 ـ لا يحكم بصحة العرض إلا إذا تم إيداع المعروض مع فوائده التي استحقت لغاية يوم الإيداع.
2 ـ تحكم المحكمة مع صحة العرض ببراءة ذمة المدين من يوم العرض.
ويتضح من هذا النص أنه على المدين الذي يرغب في إبراء ذمته من الدين بعد رفض الدائن تسلم الدين منه أن يلجأ إلى طريقة العرض والإيداع وفقاً للترتيب الذي نظمه المشرع في هذا الباب ، ومن ثم للمدين أن يطلب من المحكمة المختصة الحكم له بصحة العرض الفعلي. كما أن للدائن أن ينازع في صحة هذا العرض وبطلانه ، وإذا أصبح موضوع العرض الفعلي وصحته وبطلانه معروضاً على المحكمة وطلب الحكم بصحته فإن المحكمة لا تصدر حكمها بصحة هذا العرض إلا إذا تحقق أمران :
1 ـ أن يتم إيداع المعروض فعلا وفقاً لأحكام المادتين 478 و 488 من هذا القانون.
2 ـ أن يتم إيداع الفوائد المستحقة على المعروض لغاية يوم الإيداع.
فإذا تحققت شروط صحة العرض وفقاً لما ذكر ورأت المحكمة جدية العرض وصحته حكمت المحكمة إلى جانب القضاء بصحته ببراءة ذمة المدين من يوم العرض.
نصت المادة 483 من قانون أصول المحاكمات على :
يجوز للدائن أن يقبل عرضاً سبق له رفضه وأن يتسلم ما أودع على ذمته إذا لم يكن المدين قد رجع عن عرضه.
ويتضح من هذا النص أن قبول الدائن بالإيداع قد يتم في أي وقت طالما أن المدين لم يسترد المبلغ أو الشيء المودع وإذا لم يبد الدائن قبوله بالإيداع فيحق لدائنيه أن يقوموا مقامه في هذا الشأن بنسبة ما لهم من حقوق عليه ، وذلك عن طريق حجز المبلغ أو الشيء المودع ويسري هذا الحجز على الدائن فلا يحق له بعد ذلك أن يقبض أي مبلغ من المدين إضرارا بالحاجزين.
نصت المادة 484 من قانون أصول المحاكمات على :
يجوز للمدين أن يرجع عن عرض لم يقبله دائنه وأن يسترد من صندوق الدائرة ما أودعه.
وقد استقر الاجتهاد القضائي في معرض تفسير أحكام هذه المادة على :
{ إن إيداع المبلغ المحكوم به لدى دائرة التنفيذ يخرجه عن ذمة المحكوم عليه ويقطع الصلة به ولا يحق له استرداده ولا يغير من ذلك ملاءة المحكوم عليه أو كونه في عداد الجهات العامة}.
(قرار استئناف دمشق رقم 20 تاريخ 4/2/1975 النشور في مجلة المحامون صفحة 196 لعام 1975 وفي كتاب تقنين أصول المحاكمات ـ أديب استانبولي ـ شفيق طعمة ـ الجزء الخامس ـ الطبعة الثانية 1995 الصفحة 319).
ويتضح من هذا النص ومن الاجتهاد القضائي المستقر حول تفسيره انه:
1 ـ إبراء ذمة المدين بنتيجة العرض والإيداع هو معلق على شرط قبول الدائن به أو تقرير صحة هذا العرض والإيداع بحكم قطعي ، ومادام هذا الشرط لم يتحقق فيحق للمدين أن يسترد المبلغ أو الشيء المودع الذي يبقى في هذه الحال ملكاً له ويعود الدين عندئذ إلى ذمة المدين مع جميع ملحقاته.
2 ـ وقد يقوم دائنو الدائن مقامه في قبول الإيداع بنسبة ما لهم من حقوق عليه وذلك عن طريق حجز المبلغ أو الشيء المودع ويسري هذا الحجز على الدائن ، في هذه الحالة لا يحق للمدين استرداد الأموال المودعة إلا بقدر ما زاد عن دين الحاجزين.
3 ـ ذهب رأي إلى أن حق استرداد المبلغ المودع هو حق مالي وبالتالي يصح لدائني المدين حق استرداد المبلغ أو الشيء المودع قبل أن يقبل الدائن بهذا الإيداع تطبيقاً لأحكام الدعوى غير المباشرة التي يمارس فيها الدائنون باسم مدينهم الحقوق العائدة لهذا الأخير سيما وأن تصرف المدين بشأن هذا المبلغ أو الشيء المودع لم يصبح نهائياً سواء بالنسبة له أو بالنسبة لدائنيه.
نصت المادة 485 من قانون أصول المحاكمات على :
لا يجوز الرجوع عن العرض ولا استرداد المودع بعد قبول الدائن لهذا العرض أو بعد صدور الحكم بصحة العرض وصيرورته نهائياً.
ويتضح من هذا النص انه متى قبل الدائن بالإيداع تنتقل ملكية المال المودع إليه وتبرأ ذمة المدين نهائياً بنتيجة الإيفاء الحاصل على هذا الوجه ، كما تبرأ ذمة الكفلاء وتسقط جميع التأمينات التي كانت ملازمة للدين ويرجع هذا الأثر إلى تاريخ الإيداع ولو ألقي حجز على المال المودع بين تاريخ الإيداع وقبول الدائن به إذ أن صحة هذا الحجز تتوقف على عدم قانونية العرض والإيداع وبالتالي على عدم نقل ملكية المال المودع إلى الدائن بتاريخ حصوله.
وإن الأثر المذكور ينتج أيضاً عن صدور حكم للمدين يقضي بصحة العرض والإيداع أو يقضي برد دعوى إبطال العرض والإيداع المقامة من الدائن وبعد صدور هذا الحكم لا يبقى للمدين حق استرداد المبلغ أو الشيء المودع منه نظراً للحجية المقررة قانونا لذلك الحكم والتي لا تسقط إلا بفسخه أو الرجوع عنه بطرق الطعن التي يرفعها الدائن بشأنه.
ملاحظة هامة :
( المقال منقول من كتاب الاستاذ حازم الجزار – ولم يتم تعديل أرقام المواد لتصبح متوافقة مع القانون 1 لعام 2016 وهو قانون أصول المحاكمات الجديد وقد تم نشر المقال من باب شرح المعلومات والافادة بالاجتهادات والمناقشة )