قاعدة : من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه

محامي

 من سعى في نقض ما انبرم من جهته وكان لا يمس به حق صغير أو حق وقف، فسعيه عليه مردود، وإلا اعتبر متناقضاً في سعيه مع ما أتمه وأبرمه، والدعوى المتناقضة لا تسمع .

 وتنضبط هذه القاعدة بنوعين من التناقض :

 أ ـ أن يكون التناقض مما لا يقبل التوفيق بحال، كأن يدعي بشيء إرثاً من شخص، ثم يدعي بنفس الشيء بعد ذلك شراء منه فإنه تناقض لا يمكن التوفيق فيه، لأن الشراء لا يتأتى من الميت ولذلك ترد الدعوى الثانية (الشراء) لمناقضتها للدعوى الأولى (الإرث).

 ب ـ أن يكون التناقض مما يقبل التوفيق، كأن يدعي بالشيء شراء من شخص ثم يدعي به إرثاً منه بعد ذلك، فإنه تناقض يقبل التوفيق بأن يصدق بالشراء منه أولاً، ثم يفترض رده إلى البائع ببيع أو هبة أو غير ذلك، ثم إرثه منه بعد وفاته .

وللحنفية في صحة دعواه الجديدة رأيان:

الأول: أن دعواه تصح ويلغى التناقض ما دام التوفيق محكماً وهو القياس . والثاني: إن تم التوفيق بالفعل بين الدعويين قبل منه وحكم بزوال التناقض، وإلا ردت الدعوى الثانية، وهو الاستحسان والرأي الأقوى عندهم.

والتوفيق قد يكون ثابتاً مبنياً على سبب موضوعي كما في ادعاء الإرث بعد الشراء وقد يكون مبنياً على جهل المتصرف بالنظر لخفاء السبب، كما لو اشترى أرضاً من آخر ثم ادعى أن الأرض وقف، ويطالب بإبطال البيع لجهله بوقفها عند البيع، فإنه يصدق في جهله ويلغى البيع.

 ومما يتفرع على هذه القاعدة أنه إذا أقر ، ثم ادعى الخطأ في الإقرار، فإن دعواه لا تسمع منه . . ومنها : إذا بادر إلى اقتسام التركة مع الورثة ثم ادعى بعد القسمة أن تسمع دعواه، لأن إقدامه على القسمة فيه اعتراف منه بأن المقسوم ماله، لا المقسوم مشترك.

ومنها : لو تراكمت نفقة الزوجة المقضي بها أو المتراضى عليها ولم تكن مستدانة بأمر القاضي فطلقها بائناً لتسقط النفقة المتراكمة من ذمته لا لذنب منها، فإنه يرد قصده وسعيه عليه، فإذا كانت النفقة متراض عليها فالأمر ظاهر من أنها تمت من جهته، أما إذا كانت مقضياً بها فيمكن أن يقال إنها تمت من جهته بعقد النكاح لأن النفقة تجب بالعقد.

ومنها: لو باع الصبي المميز المحتمل البلوغ أو اشترى واعترف بالبلوغ، ثم ادعى عدم البلوغ فلا يلتفت لادعائه وينفذ بيعه وشراؤه.

 ولا فرق فيما تم من جهة المرء بين أن يكون تم من جهته حقيقة أو حكماً بواسطة وكيل أو مورث، والقيد بعدم مساس حق الصغير أو حق الوقف؛ لأن ادعاء الغبن الفاحش في بيع مال القاص أو الوقف تسمع الدعوى به وينقض به البيع.

ومسألة الوقف تفصيلية، حاصل ما ذكر أنه إذا باع ثم ادعى أنه وقف محكوم بلزومه تسمع دعواه، أما إذا برهن البائع على أصل الوقف فقط . تقبل بينته ولا يعطى شيئاً من غلة الوقف إذا كان من الموقوف عليهم لعدم صحة دعواه بالتناقض.

ويستثنى من هذه القاعدة فيما لو اشترى الأب داراً لابنه الصغير والأب شفیعها، كان له أن يأخذها بالشفعة، لأن حق الشفعة يثبت مع فراغه من إجراء عقد الشراء لابنه ، فإذا طلب الشفعة مع تمام العقد بلا فاصل لا يكون قد حصل منه رضى بتسليم الشفعة بعد ثبوتها، لأن رضاه المستفاد من إقدامه على الشراء لا عبرة به لكونه قبل ثبوت الشفعة والحق قبل ثبوته لا يقبل الإسقاط، حيث الشفعة تثبت بعد العقد، ولذا اشترطوا أن يكون طلب الأب الشفعة إثر الشراء بلا فاصل فيقول : اشتريت وأخذت بالشفعة.

Scroll to Top