شرح قاعدة  العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني

محامي, استشارة قانونية

هذه القاعدة تتضمن معنى المادة الثانية إلا أنها أخص منها، فتلك عامة  في كل التصرفات وهذه في العقود خاصة فتصلح أن تكون فرعاً منها.

 والمراد بالمقاصد والمعاني هي الغايات التي تعيّنها القرائن اللفظية، والتي توجد في عقد فتكسبه حكم عقد آخر،  .

 كما ينعقد النكاح بلفظ البيع والهبة، وكما يطلق لفظ الوصاية ويراد به الوكالة والعكس، فلو أوصى إنسان غيره ببيع شيء من ماله فإن ذلك يكون وكالة ولو وكَّله بتنفيذ وصيته بعد موته يكون ذلك وصاية .

والمقاصد العرفية المرادة للناس في اصطلاح تخاطبهم معتبرة في تعيين جهة العقود، وقد صرّح الفقهاء بأنه يحمل كلام كل إنسان على لغته وعُرفه وإن خالفت لغة الشرع وعرفه كانعقاد النكاح بلفظ التجويز وهو لفظ غير الألفاظ الموضوعة للنكاح مما يفيد معنى النكاح في العقد.

 إن ذكر لفظ العقود في هذه القاعدة ليس لأن اعتبار المقاصد والمعاني لا يجري إلا في العقود بل جرياً على الغالب، وإلا فإن هذه القاعدة تجري في الدعاوى كما قال الإمام أبو الحسن الكرخي في رسالة الأصول : (الأصل أنه يعتبر في الدعاوى مقصود الخصمين في المنازعة دون الظاهر)،

فلو ادعى رجلان نكاح امرأة ميتة وأقام كل منهما البينة ولم يؤرخا، أو أرخا تأريخاً متحداً، فإنه يقضى بالنكاح بينهما وعلى كل منهما نصف المهر ويرثان منها ميراث زوج واحد؛ لأن المقصود من الدعوى الإرث فكانت دعوى مال ولا مانع من اشتراكهما في المال.

أما لو كانت حية وأقام كل منهما البينة ولا مرجّح لأحدهما فإنه لا يقضى لأحد منهما ؛ لأن المقصود حينئذ نفس النكاح والشركة فيه لا تكون.

ولاعتبار المقاصد والمعاني في العقود لا بد من توفر أربعة شروط :

 1 – أن يكون اللفظ محتملاً للقصد فلو قالت : أعرتك نفسي أو أجرتك نفسي على كذا، لم ينعقد نكاحاً؛ لأن الإعارة والإجارة يفيدان التمليك المؤقت للمنفعة وهو منافٍ لغاية النكاح.

٢ ـ أن يستوي جانبا إعمال ظاهر اللفظ والقصد فيعتبر القصد، كأن يقول لزوجته : اذهبي إلى بيت أهلك، فإن نوى الطلاق ،وقع، وإن نوى إبعادها عن بيته مؤقتاً صُدِّق لاستواء الطرفين.

3ـ أن يستوي جانبا إعمال ظاهر اللفظ والقصد ويحف بلفظه قرائن تجعل إعمال القصد دون اللفظ راجحاً، كأن يقول : اعتدي، أو أنت واحدة، أو استبرئي رحمك، وهو في حالة غضب أو جواب عن طلبها، يقع الطلاق رجعياً بقرينة الغضب والجواب. أما لو كان الزوج في حالة رضاً فيعتبر قصده، كما هو في الشرط الثاني

4ـ أن لا يكون الحكم المترتب على المعنى المقصود أدنى من الحكم المترتب على المعنى الذي يقتضيه ظاهر ،اللفظ فمن قال لآخر : وهبتك قلمي بدرهم كان بيعاً، ولو قال بعتك بلا ثمن لم يكن هبة بل بيعاً باطلا؛ ذلك لأن الملك بالهبة أدنى من الملك بالبيع، فالهبة يجري فيها الرجوع دون البيع  ولا تتم الهبة إلا بالقبض دون البيع أيضاً. .

 إن اعتبار المقاصد والمعاني في العقود مقيد بما إذا لم يعارضه مانع شرعي يمنع اعتبار المقصد والمعنى، فلو كان المهر ديناً في ذمة الزوج كالدراهم والدنانير، فوهبت الزوجة نصفه قبل أن تقبضه منه ، ثم طلقها قبل الدخول، فإنه يرجع عليها بشيء ويجعل ما وصل إليه بالهبة واصلاً إليه بحكم استحقاق نصف المهر بالطلاق قبل الدخول فيلغى قصد الهبة ويعتبر وجوب تسليم نصف المهر؛ لأن هذا التصرف يحمل على الواجب قبل أن يحمل على المباح ؛ ولأنه لا يُبالى باختلاف الأسباب بعد سلامة المقصود، فكل ما كان مستحقاً بجهة إذا وصل إلى المستحق بجهة أخرى يعتبر واصلاً، أما إذا وصل إليه من جهة غيره فلا ، فلو كان المهر عيناً فوهبته إلى غير زوجها وهو وهبه إلى زوجها ثم طلقها قبل الدخول فلزوجها عليها نصف قيمة العين؛ لأن الحق وصل إلى المستحق وهو الزوج  من غير جهة المستحق عليه وهو المرأة؛ وذلك لصحة التمليك والتملك بين الزوجة الواهبة وبين الموهوب له، فانقطع حق المالك الأصلي عن العين وصار المستحق له هو القيمة، وبوصول العين إليه من الموهوب له قد وصل إليه غير ما يستحقه وهو القيمة .

Scroll to Top