الشروط الموضوعية في تقرير التحكيم الشرعي في دعاوى الطلاق والتفريق

الشروط الموضوعية في تقرير التحكيم الشرعي

مقدمة :

بعد أن ينهي الحكمان مهمتهما – ومهما كانت النتيجة التي توصلا إليها – يتقدما بتقريرهما إلى المحكمة الناظرة بالدعوى، ولابد لتقرير الحَكَمين من أن يستكمل الشروط المقررة له قانوناً، كي يصحّ اعتماده من قبلها، كما أن على الحَكَمين أن يبنِيا تقريرهما على أسس صحيحة في تحديد الإساءة؛ وهذه الشروط هي التي يُعبَّر عنها الاجتهاد بالشروط الشكلية، وهذا المسمى ورد في كثير من اجتهادات محكمة النقض، مما يعني وبمفهوم المخالفة، وجود شروط موضوعية للتقرير أيضاً؛ إلا أننا لم نعثر على أي ذكر لها بهذا الاسم، سواءٌ في نصوص القانون، أم في الاجتهاد، ولا حتى في الكتابات والدراسات الفقهية؛ مما يوحي بعدم التفريق بينهما، وبالتالي،

اعتبار الشروط واحدة؛ فهنا نحن أمام أحد أمرين: إما أن نعتبر أن الشروط كلها شروطاً بشكل مطلق، دون أن نحدد أنها شكلية أو غير ذلك، أو أن نقسمها إلى نوعين: شكلية وموضوعية، وأن تكون الشروط الموضوعية هي مايتعلق بقناعة الحكمين، أي أنها الشروط المعنوية في التقرير،وهذا ما سنعتمده .

وبعد أن تحدثنا عن الشروط الشكلية لتقرير التحكيم الشرعي في مقالنا السابق بعنوان

https://www.syrian-lawyer.club/%d8%b4%d8%b1%d8%b9%d9%8a/10-%d8%b4%d8%b1%d9%88%d8%b7-%d8%b4%d9%83%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d8%aa%d9%82%d8%b1%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ad%d9%83%d9%8a%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d8%b9%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%ad/

 

سنتحدث الآن عن

الشروط الموضوعية (قناعة الحَكَمين):

إن حكم الحَكَمين في تقريرهما، ناجم عن القناعة التي تتشكل لديهما، من خلال أوراق الدعوى، وأقوال الطرفين وشهودهما، والبينات الأخرى؛ وهذه القناعة من الأمورالموضوعية، التي ليس للقضاء أن يتدخل بها، لأن تدخّل القضاء في التحكيم، يقتصر على مدى تطبيق الشروط القانونية فيه، وليس على النتيجة التي انتهى الحكمان إليها: “قناعة الحَكَمين، لا تدخل تحت رقابة محكمة النقض”

وهذا المبدأ كرّسته عشرات الاجتهادات لمحكمتنا العليا، بل إننا نستطيع القول: إن هذه الفكرة، كان لها نصيب من الاجتهادات، أكثر من أي فكرة أخرى في التحكيم،

وهي اجتهادات مستقرة وتنزل منزلة القانون؛ ومنها: “ليس للمحكمة أن تتدخل في قناعة الحَكَمين وتقديرهما، وهما لوحدهما دون المحكمة، اللذان يملكانه” .

ويفضل أن يُشار في التقرير إلى أن الحَكَمين قد استكملا كل واجباتهما،ويستعرضان كل هذه الواجبات، وخاصة الجوهرية منها، كالاطلاع على استدعاء الدعوى، ووثائقهاوضبوطها؛ كما يشيران إلى أنهما قد استمعا شهود الطرفين وبيّناتهما، حتى يتأكد القاضي أن قناعة الحَكَمين قد بُنيت على أسس سليمة؛ على الرغم من أنّ الحَكَمين، ليسا بمُلْزَمَيْن أن يأخذا أقوال الشهود – جزءاً أو كلاً – بعين الاعتبار إن لم يقتنعا بها، وهناك معلومات أخرى يجب أن يشملها التقرير، مثل: اسم الحَكَمين، وتاريخ ق ا رر التعيين، وزمان ومكان انعقاد المجلس العائلي الأول بإشراف القاضي، وبيان ماتم فيه من الاستماع إلى أقوال الزوجين بحضور القاضي أيضا .

– تعليل تقرير الحكمين :

1 – قانونية التعليل:

تعليل الأحكام القضائية، أقرته جميع تشريعات العالم، لما في ذلك من ضمان لنزاهة  الحكم وعدالته؛ ولتكون عنوان الحق والعدالة، ولزرع القناعة بها في نفس من يطلع عليها إلا أن التسبيب في قرارات التحكيم، يعتبر من الأمور الخلافية، فمن قائل بوجوبه، ومن قائل بعدم ذلك .

أما في التحكيم الشرعي، فقد انقسمت الآراء بالنسبة للقوانين الوضعية: فمنها ماتوجب التسبيب، ومنها ماترى أنه لالزوم له، وتفضل أن لا يتطرق الحكمان لذلك، علماً بأن المذاهب الفقهية، والكثير من قوانين الأحوال الشخصية، التي خولت الحَكَمين صلاحيات التفريق بين الزوجين لاتشترط أن يعللا تقريرهما الذي يرفعانه إلى القاضي، وأوكلت لضميرهما مهمة إبداء رأيهما، الذي لا رقابة عليه، سوى رقابة الله ثم الضمير، وذلك من منطلق أن الطلاق قد يكون لأسباب سرية، من المستحسن عدم إعلانها .

واختار المشرع السوري عدم تسبيب قرار التحكيم، بل إن عشرات القرارات الصادرة عن محكمة النقض، قد كرَّست هذا المبدأ، وأضحت تلك الاجتهادات مستقرة، مثل: “إعفاء الحَكَمين من تعليل النتيجة التي انتهيا إليها، صوناً للأسرة، وحرصا على أسرارها .

ومن ذلك: “لايُلزم الحكمان بتعليل ما انتهيا إليه من نتيجة، حرصاً على كرامة الأسرة، وصيانة لأسرار الحياة الزوجية المقدسة على ما استقر عليه الاجتهاد”

وإذا استقرأنا الاجتهادات التي بحثت في موضوع التعليل، فإننا سوف نجد اجتهاداً يقول: “على المحَكَمين أن ينوهّا في تقريرهما، بالاطلاع على أسباب الخلاف وبمساعيهما لإصلاح ذات البين” وللوهلة الأولى قد يظن القارئ أن هناك تناقضاً بين هذا الاجتهاد وغيرِه من التي بحثت في تعليل التقرير، والحقيقة أنه ليس هناك

من تناقض، فالمقصود من هذا الاجتهاد: أن يضمّن الحكمان تقريرهما، مايفيد أنهما اطلعا على أسباب الخلاف، لا أن يذكراها فيه .

وإن ماسارت عليه المحاكم الشرعية في سورية هو عدم التعليل ولم نسمع أو يقع بين أيدينا، أيُّ تقرير تحكيم شرعي، يتعرض إلى مجريات التحكيم، أو تفاصيله، أو تعليل النتيجة التي انتهى إليها.

 ولكن بالرجوع إلى قرارات محكمة النقض، التي عالجت تلك الفكرة، نجد أنها اعتبرت عدم التعليل أمراً جوازياً، ونصت فيها كلها على مامعناه:

 “أن الحَكَمين غير مُلْزَمَيْن بالتعليل، و: “لايتوجب أن يكون التقرير معللاً، وإعفاء الحَكَمين من تعليل تقريرهما”

إلى ماهنالك من عبارات، لاتدلّ على الجزم في حظر التعليل، و بيان الأسباب؛ ومع أن العمل – كما ذكرنا- يجري عملياً على عدم التعليل، فكنا نتمنى على محكمتنا الموقرة، أن تحسم الأمر، وتحظر التعليل ، وترتِّب على مخالفة ذلك، جزاء اعتبار التقرير باطلاً 0 وخاصة أنها دافعت عن عدم التعليل بقولها :

 “إن الحَكَمين غير مُلْزَمَيْن بتعليل تقريرهما، وذلك لكرامة الأسرة، وحفاظاً على الأسرار العائلية” .

وبما أن كرامة الأسرة والحفاظ على الأسرار العائلية وصون الحياة الزوجية،

كل هذه الأمور، من المبادئ التي يجب أن لاتُمَس؛ فهذا يوجب أن يكون التعليل محظوراً، لا أن يكون غير إلزامي .

ويستتبع ذلك، أن للمحكم الاعتذار عن الشهادة أمام القضاء، فيما يتعلق بما اطلع عليه من أسرار الحياة الزوجية للطرفين، أثناء جلسات التحكيم .

وقد استثنى الاجتهاد أمر جواز التعليل، في حالة خاصة، جاءت في أحد قراراتها: “ترك المشرع للحَكَمين، الحق في عدم تعليل تقريرهما، ما دامت أسباب النزاع غير معلنة، أما حين تُعلن الظروف أو الأشخاص، أسباب النزاع، ويصل الأمر إلى حد إقامة الدعوى الجزائية؛ فإن التمسك بوجوب عدم التعليل، يصبح أمراً لا سند له بالقانون “.

ومع ذلك، فلا نرى في هذا الاجتهاد، ما يوجب التعليل، بل على العكس، فإن مايؤخذ منه، أن عدم التعليل في الحالات العادية واجب؛ وفي الحال التي ذكرها الاجتهاد ليس من الضروري أن يتمسك الحكمان بعدم التعليل، فهو هنا أمر لاسند له في القانون 0

ولكن ما القول لو أن الحَكَمين عللا تقريرهما، وضمّنا فيه أقوال الطرفين، وتعدد

الجلسات، وأقوال الشهود، والوقائع ….. ؟ يرى المستشار أبو جيب، أن كل هذا لامسوغ له، لأنه يؤدي إلى نشر أمور الأسرة بين الناس، ولكن إن حصل التعليل فقد وجب على محكمة النقض م ا رقبة سلامته، كما ت ا رقب سلامة تعليل الأحكام القضائية .

2 – مخاطر التعليل:

يهدف التحكيم الشرعي، إلى حفظ أس ا رر الأسرة ، وحفظ ك ا رمة الزوجة وسمعتها 00وإجمالا، إلى صيانة الأس ا رر الزوجية، عن أن تكون محلاً للمهات ا رت بين الزوجين أمام القضاء،في جلسات علنية؛ لما في إفشائها وإعلانها، من أض ا رر بالغة، تصيب كلاً من الزوجين؛ ونُجمل مخاطر تعليل تقرير الحَكَمين – على سبيل المثال لا على سبيل الحصر – بالأمور التالية:

1 – القضاء على أمل أحد الزوجين أو كليهما، في إيجاد شريك جديد؛ بحيث يصبح

تقرير الحَكَمين، عائقاً أمام ذلك 

2 – التقليل من فرص الأمل، في عودة الزوجين إلى حياتهما، تحت سقف واحد؛

وخاصة إذا تدخّل الأقارب، وشاعت أسباب التفريق 

3 – الإساءة المباشرة إلى الزوجين، والأولاد، والأقارب الذين طالَهُم التقرير، ضمن العلل والأسباب التي احتواها .

4 – تغيّر نظرة الأولاد إلى أحد والديهم أو كليهما؛ عندما يطلعان على إساءته، –

وخاصة إذا كانت مشينة – وربما تحطيم حياتهم، باعتبار أن الأب والأم، قدوة لأولادهم؛ فتتمزق الصورة المثالية للآباء، في مخيلة الأبناء، عند معرفتهم بعلل الشقاق وأسبابه.

 ونسأل هنا: ماذا سيكون موقف الأولاد من والدتهم، لو عرفوا أن سبب التفريق خيانتها لأبيهم؟

5 – القضاء على أمل الأولاد في الزواج المستقبلي بعد فضح أسرار بيتهم؛ وقد يلجأ الأصهار مستقبلاً، إلى تعيير زوجاتهم (أبناء الأسرة المطلقة)، بأمهاتهم وآبائهم 

6 – نشوب الخلاف، والنزاعات العائلية بين الأقارب، الذين ساهموا في الشقاق بين

 الزوجين، مما يساهم في تأجيج الخلافات بين الأسر.

3 – السرية :

أي سرية الإجراءات، فقد يكون في أسباب التفريق أسباب سرية، ليس من الخير

 إعلانها فتنكشف الأسرار الزوجية، وتسجل أسباب التفريق في سجلات المحاكم، ولاشك أن كَشْفَها يعود بآثار سلبية على الأسرة ومن يحيط بها، وفي اجتهاد لمحكمة النقض: “تعتبر ” إجراءات التحكيم ومايتم بها سرية، وذلك حفاظا على كرامة الأسرة “.

وهناك بعض من ينادي برفع السرية عن التحكيم الشرعي، بتعليل أسباب تقرير التحكيم وتبيانها، وهذا أمر يسيء إلى التحكيم أكثر مما يفيده بكثير؛ فهو يساهم في هدم ماتبقى من الأسرة، بعد التفريق بين قطبيها – الزوج والزوجة – فلا يجوز – تحت أي مبرر- بيان أسباب الشقاق بين الزوجين، وذلك من منطلق الحرص على خصوصية الأسرة، حتى لو قام أحد  الزوجين أو كلاهما، بنشر بعضٍ منها أمام القضاء، أو أمام أية جهة أخرى مالم تكن قد ، وصلت إلى درجة فادحة، وكان من مصلحة الأسرة علانية ذلك .

ومن هذا المنطلق، كان عدم السماح بحضور أحد مع الأطراف، في جلسات التحكيم  إلا لضرورة وبطلب من الحَكَمين، لأسباب يرونها تسهم في نجاح عملية التحكيم، وذلك حتى ، لايُحرَج أي من الزوجين ببيان أسباب الشقاق، وخاصة مايمس منه أسرارهما بشكل خاص،  وأسرار الأسرة بشكل عام وكذلك حتى لا يحرم من سماعه كشاهد  ،

وتأكيداً على سرية العلاقات الزوجية، فقد قرر القانون والاجتهاد، أن إثبات الإساءة بين الزوجين، لاتكون أمام المحكمة، لأن ذلك سيثار أمام الحَكَمين؛ وفي اجتهاد يدعم هذه الفكرة:

” “يتم إثبات الإساءة أمام الحَكَمين، صوناً للأسرار العائلية، وحفاظاً على كرامة الأسرة” .

Scroll to Top