الحضور أمام المحاكم في قانون أصول المحاكمات المدنية

الحضور أمام المحاكم في قانون أصول المحاكمات المدنية

تمهيد وتقسيم:
يقتضي الفصل في الخصومات الحضور والمواجهة أمام المحاكم، وتحويل الحقائق المادية أو الواقعية إلى حقائق قضائية قبل إصدار الأحكام من قبل القاضي الذي ينظر في ادعاءات الخصوم وحججهم من خلال ما يتم تقديمه من قبلهم عملا بمبدأ حياد القاضي في صنع الأدلة، وإن كان هذا لا يمنعه من توجيه إجراءات الخصومة بحيث تؤدي إلى الغاية من رفع الدعوى وهي الوصول إلى الحقيقة، إلا أن مسألة الحضور أمام المحاكم ليس عملا عشوائية، بل هو عمل قانوني منظم ينطوي تحت مفهوم إجراءات الخصومة والفصل في. فلذلك، يحتاج الأمر إلى توضيح وبيان بعض التحديدات مثل الحضور والغياب وبيان إجراءات الخصومة أمام المحكمة، وإدارة تلك الخصومة من خلال الجلسات العلنية للمحاكمة لأن ذلك يدخل في مفهوم أقنية العدالة وإجراءاتها الشكلية التي رسمها القانون وصولا إلى إحقاق الحق وإقامة العدل في الدولة.
لذلك سوف نعرض هذا الفصل في البحثين الآتيين:هما الحضور والغياب أمام المحاكم

أولاً : الحضور أمام المحاكم

يبلغ الخصوم بالميعاد المحدد لجلسة المحاكمة في الدعوى المرفوعة أمام القضاء وفق الإجراءات والأصول المحددة لذلك، بهدف عدم مفاجأة المدعى عليه بالدعوى المرفوعة عليه، وقد أوجب القانون أن يسبق التاريخ المحدد للجلسة فترة كافية يستطيع المدعى عليه خلالها مراجعة خصمه لإنهاء النزاع ودياً، أو لتمكينه من إعداد دفاعه وتجهيز مستنداته، أو الاتصال بمحاميه لتكليفه بمتابعة الدعوى،
كما أنه لم يهدف من الحضور مجرد مراجعة عادية لدائرة من دوائر الدولة، بل أراد من ذلك تمكين الخصم من الدفاع عن نفسه، ولهذا لم يجعل الحضور من عدمه سواء، بل رتب آثارة قانونية على الغياب. لهذا، فإن الحضور والغياب يستلزم بیان مواعيد الحضور، وتحديد مفهوم الحضور وأهميته، ومن ثم تحديد معنى الغياب وأثاره في المطالب الأتية:

میعاد الحضور أمام المحاكم

يقصد بالميعاد لغة الوقت لأمر ما ، والمواعيد بالمعنى الاصطلاحي هي أجال أو أوقات أو فترات زمنية لمباشرة إجراء مقترن بها، أو مهلة زمنية بين لحظتين يحددها القانون للقيام بإجراء قضائي،
أو هو الحد الأدنى للمدة التي يجب انقضاءها بين وقت التبليغ وموعد الجلسة المحدد للنظر في الدعوى من قبل القاضي، والتي يجب أن لا تقل عن مدة معينة، لتمكين المدعى عليه من اتخاذ ما يلزم من أجل إعداد الدفاع قبل أن يحضر أمام المحكمة،
لأن المشرع أراد من تحديد المواعيد المباشرة الإجراءات القضائية هو أن لا تترك تلك المسألة دون قيد زمني فتطول الخصومات أمام المحاكم، وهي تحقق مصلحة الخصوم من جهة باستقرار مراكزهم القانونية في وقت مقبول، وتؤدي إلى حسن سير العدالة بعدم التراخي في إجراءات التقاضي حتى لا تشغل في خصومات راكدة تعطلها،
وبالتالي فإن المشرع نظم هذه المسألة بحيث لا تكون بالغة القصر تؤدي إلى عدم التروي في فصل الخصومات وتؤدي إلى نتيجة عكسية، ولا هي متراخية طويلة تؤدي إلى المماطلة والتسويف في أروقة العدالة فتموت الحقوق وأصحابها قبل أن يفصل القضاء في الخصومات،

وتختلف المواعيد الإجرائية عن ميعاد التقادم، حيث أن المواعيد الإجرائية أو الأصولية تتصل بالخصومة القضائية وجود وسببة، وينظمها قانون أصول المحاكمات، أما مواعيد التقادم فتتصل بالحقوق الموضوعية وينظمها القانون الموضوعي، وللمواعيد في قانون الأصول استخدامات متعددة، وهي أنواع، ولها حسابات، ويمكن أن تمتد.

لذلك سوف نوضح هذه المصطلحات وفق الآتي:

أولا – أنواع المواعيد :

يمكن أن تكون المواعيد حتمية، وتكون كذلك عندما يتعين على الخصوم التقيد بمباشرة الإجراء خلالها تحت طائلة سقوط الحق به، ويترتب على مخالفتها البطلان المطلق لأنها من النظام العام، وعلى المحكمة أن تلتزم بها وبالتالي يمكن التمسك بها في أية مرحلة كانت عليها الدعوى حتى لو كان ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض، مثل ميعاد رفع الطعن بالأحكام، وميعاد رفع دعاوى الحيازة،
كما يمكن أن تكون مواعيد تنظيمية، لا يترتب على مخالفتها البطلان أو سقوط الحق بمباشرة الإجراء، ومنها مواعيد تبادل اللوائح، ومواعيد الحضور أمام المحاكم، وإن كان المشرع قد حدد هذه المواعيد، ونص على الجزاء المترتب على مخالفة بعضها، ولم ينص على الجزاء عند مخالفة البعض الأخر مثل عدم التقيد بمواعيد تبادل اللوائح. لهذا، يعد ميعاد الحضور أمام المحاكم من حيث المبدأ موعد تنظيمية،
وقد حدده المشرع بثلاثة أيام على الأقل أمام محاكم الصلح، ومحاكم البداية، ومحاكم الاستئناف، وأجاز في حال الضرورة إنقاص هذا الميعاد إلى أربع وعشرون ساعة، وحدده في الدعاوى المستعجلة بأربع وعشرين ساعة، وأجاز إنقاصه عند الضرورة إلى ساعة بشرط أن يحصل التبليغ للخصم نفسه، ويعد هذا الميعاد من المواعيد الكاملة.
إذ أوجب القانون أن يكون الميعاد المذكور الحد الأدني الذي يمضي بين تاريخ التبليغ وتاريخ الجلسة المحددة للنظر في الدعوى. بمعنى أنه ينبغي أن لا تحدد جلسة قبل فوات تلك المدة على الأقل، أي أنه يجب أن تكون مدة الثلاثة أيام كاملة غير منقوصة، وعدم مراعاة تلك المدة يرتب البطلان النسبي الذي يزول بحضور المطلوب تبليغة إلى المحكمة دون أن يخل ذلك بحقه في طلب تأجيل الدعوى لاستكمال الموعد.

ثانيا – حساب المواعيد:

يقضي المبدأ القانوني أن تحسب المواعيد المعينة بالشهور والسنة بالتقويم الشمسي ما لم ينص القانون على غير ذلك، وبالتالي إذا عين القانون میعادة للحضور أو الحصول إجراء، وكان الميعاد مقدرة بالأيام أو الشهور أو بالسنين فلا يحسب منه يوم التفهيم أو التبليغ أو حدوث الأمر المعتبر في نظر القانون مجرية للميعاد بل يدخل فيه اليوم الأخير، وعلى هذا، فإن الميعاد المحدد بالأيام للقيام بإجراء من إجراءات الخصومة، أو للحضور أمام المحكمة في موعد الجلسة، فلا يبدأ إلا من اليوم التالي للتبليغ، ولا ينقضي إلا بانقضاء نهاية دوام اليوم الأخير منه، وإذا كان الميعاد مقدرة بالساعات كان حساب الساعة من الساعة التالية للتبليغ، ولا ينقضي بانتهاء الساعة المحددة للحضور ولو في أخر ثانية منها مالم تكن قد انتهت ساعات الدوام الرسمي.

ثالثا- امتداد المواعيد :

يقضي المبدأ القانوني أن ميعاد الحضور ليس مقدساً، وينهي حتماً وفقا لما ذكر في الفقرة السابق بل يمتد إذا صادف أخر الميعاد عطلة رسمية إلى أول يوم عمل بعدها، سواء كان الميعاد محددة بالساعات أم الأيام أو السنين.
كما يمتد الميعاد بإضافة مهلة سفر أو مسافة لمن كان موطنه ضمن الجمهورية العربية السورية وخارج النطاق المحلي الصلاحية المحلية للمحكمة أو في لبنان، حيث يزاد الميعاد بإضافة سبعة أيام عليه. كذلك يمتد الميعاد بإضافة مهلة مسافة لمن يكون موطنهم في الخارج مقدارها ستون يوماً، ويجوز بأمر رئيس المحكمة تقصير هذا الميعاد تبعا لسهولة المواصلات و ظروف الاستعجال،
ولا تضاف هذه المهلة لمن تبلغ من هؤلاء في سورية بشخصه أثناء وجوده فيها، وإنما يجوز للمحكمة عند النظر في الدعوى أن تأمر بتمديد الميعاد العادي أو اعتباره ممتدة على أن لا يتجاوز في الحالتين الميعاد الذي كان يستحقه لو بلغ في موطنه بالخارج، ويترتب على عدم مراعاة المواعيد المذكورة أعلاه البطلان النسبي، بمعنى أنه إذا حضرالمدعى عليه ولم يدفع بالعيب الناجم عن عدم مراعاة مواعيد الحضور، فإن الإعلان يكون صحيحة ومنتجة الآثاره، أما إذا تمسك بالعيب، فيمكن أن يعطى مهلة إضافية، ولكن إذا لم يحضر المدعى عليه فعلى القاضي أن يدقق في مراعاة الميعاد بحيث إذا لم يكن تامة قرر إهمال التبليغ واعادته دون نفقات.

ثانياً : الحضور أمام المحاكم وأهميته

ترتبط فكرة الحضور أمام المحكمة تاريخية بفكرة المبارزة باعتبارها وسيلة للدفاع عن الحقوق، وقد كانت المبارزة في العصور البدائية جسدية وكان الأقوى هو المنتصر وبانتصاره يضع حداً للنزاع، ومن مقتضی المبارزة حضور الأطراف بأنفسهم لخوض معركة المبارزة،
وقد انتقلت فكرة الخصومة والحضور والمبارزة الجسدية في نظام العدالة بحلول عدالة الدولة محل عدالة الأفراد إلى الحضور والمبارزة الكلامية واللحن في الحجة لإقناع القاضي بوجهة نظر كل خصم، والانتقال من قيام الخصوم بتطبيق القانون بأنفسهم إلى تطبيقه بواسطة القاضي بمواجهة الطرفين، وإن هذه المواجهة مشرعة أصلاً استناداً إلى حق المساواة أمام القانون، وتمكين كل خصم من الدفاع عن نفسه بذات وسيلة خصمه من جهة، وضماناً لحسن سير العدالة من جهة أخرى لأنه لا يجوز الحكم على شخص من غير سماع دفاعه أو أقواله، وإذا غابت المواجهة غابت العدالة.
لذلك، فإن الحضور ضد الغياب، وأن الخصومة وفق الشرائع الحديثة لا تنعقد إلا بالحضور المادي أو الحضور الاعتباري، وإن الحضور المادي يكون بشخوص الخصوم بأنفسهم أمام المحكمة، أو بحضور ممثل قانون عنهم،
أما الحضور الاعتباري فيكون عندما يتم تبليغ الخصوم أصولاً إلا أنه لم يحضر أمام المحكمة، ولم يرسل وكي عنه صالحة لتمثيله في الخصومة، فعندئذ يتعين على العدالة في المسائل المدنية وما في حكمها أن لا تتوقف على مشية الخصم المعني في الدعوى وبالتالي فإن ميزان العدالة ينتصب في غيابه وكأنه حاضرة فيها.
لذلك نبين الأشخاص الذين يحق لهم الحضور أمام المحاكم، والتوكيل بالخصومة وآثاره، وفق الآتي:
أولاً- الأشخاص الذين يحق لهم الحضور أمام المحاكم
يقضي المبدأ العام أنه لا يجوز للمتداعين . من غير المحامين . أن يحضروا أمام المحاكم لنظر الدعوى إلا بواسطة محامين يمثلونهم بمقتضی سند توكيل مصدق من فرع نقابة المحامين الذي تبرز الوكالة في دائرة عمله، ويجب على المحكمة التثبت من هوية المدعى عليه و خاصة إذا كان حضوره إلى المحكمة من تلقاء نفسه ودون أن يكون قد تبلغ مذكرة الدعوة، إلا أنه يستثنى من هذا المبدأ الحالات الآتية:
1- من تجيز له المحكمة المرافعة بنفسه في دعوى له أو لزوجته أو لأقاربه لغاية الدرجة الثالثة، والأشخاص الذين يجوز لهم المرافعة بأنفسهم القضاة ومحامو الدولة. 2
– القضايا التي تنظر فيها محاكم الصلح، حيث يحق للخصوم أن يحضروا بأنفسهم، وإذا أرادوا
توكيل غيرهم بالخصومة فيجب أن يكون من المحامين أو من أقربائهم حتى الدرجة الثالثة الذين يحق لهم المرافعة وفق الفقرة السابقة، ويجب في هذه الحالة إبراز سند توكيل رسمي مصدق من الكاتب بالعدل، ويقبل في هذه الدعاوى في المناطق التي لا يعتمد فيها نقیب المحامين أحدة التصديق الوكالات القضائية، سند التوكيل المصدق من المختار.
3- القضايا الشرعية عدا دعاوى النسب و الإرث و الوقف، حيث يجوز للخصوم أن يحضروا
بأنفسهم في هذه الدعاوى، ويجوز لهم فيها توكيل أحد الأشخاص وفق السابق.
4- إذا لم يبلغ عدد المحامين ثلاثة أساتذة في دائرة المحكمة، يجوز للخصوم أن يحضروا بأنفسهم في جميع الدعاوى أو أحد الأقرباء الذين يجوز لهم المرافعة.
أما في غير الاستثناءات المشار إليها، فلا يصح حضورهم أمام المحاكم وإذا حضر أحدهم تكلفه المحكمة بتوكيل محام وتعطيه مهلة لذلك، فإن امتنع تنظر الدعوى باعتباره حاضرا ويصدر الحكم بحقه بمثابة الوجاهي، وإذا حضر الموكل مع المحامي أو الوكيل وأثبت ذلك في محضر الجلسة يقوم ذلك مقام التوكيل المصدق عليه، لأنه يجوز أن يعطى التوكيل في الجلسة بتقرير يكون في محضرها يوقع عليه، الموكل أو يختمه بخاتمه أو بصمة إبهامه، ولا يجوز للوكيل أن يحضر جلسة المحاكمة دون علم وكيله، ويعتبر ذلك مخالفة لصحة التمثيل الذي يعتبر من النظام العام،
وإذا حضر الوكيل وتبين للمحكمة عدم صحة وكالته عن المدعى عليه، فلا يجوز تثبیت تخلف هذا الأخير عن الحضور قبل تبليغه موعد الجلسة لتستدرك حضوره .
ويجوز للمحامي أن ينيب عنه محامي أخر في الحضور والمرافعة أمام المحاكم في الدعاوى الموكل فيها بموجب كتاب إنابة موقع منه مالم يكون ممنوعة من ذلك في سند التوكيل، وله الحق في الإنابة في دعاويه الشخصية , وينوب المحامي المدرب عن أستاذه في حضور جلسات المحاكمة ولو كانت صفة الأستاذ في الدعوى حارسا قضائيا،
إلا أنه لا يجوز تبليغ المحامي المناب لأن التبليغ لا ينتج آثاره ولا يجعل مهل الطاعن سارية بحق الوكيل الأصيل، وإذا اعتزل المحامي الوكيل وكالته لا يحق له التغيب عن حضور الجلسات قبل تبليغ الموكل الاعتزال وموعد المحاكمة تحت طائلة إجراء المحاكمة بحق الموكل بمثابة الوجاهي، وتجدر الإشارة إلى أنه على الخصم الذي لا يكون له وكيل في بلد مقر المحكمة أن يتخذ له في أول جلسة يحضرها موطنا فيه.
ثانياً – التوكيل بالخصومة وآثاره:
جاء في قانون أصول المحاكمات أنه بمجرد صدور سند التوكيل للوكيل فإن موطن الوكيل هو المعتمد للتبليغ في درجة التقاضي التي صدر التوكيل بشأنها، وأن سند التوكيل يخول الوكيل القيام بكل ما نص عليه سنده مع ضرورة التفويض الخاص في الإقرار بالحق والتنازل عنه، والصلح، والتحكيم، وقبول اليمين وتوجيهها وردها، وترك الخصومة، والتنازل عن الحكم كلياً أو جزئياَ، والتنازل عن أي طريق من طرق الطعن، ورفع الحجز، وترك التأمينات، والطعن بالتزوير، ورد القاضي ومخاصمته، ورد الخبير،
وكل عمل لا يدخل في باب رفع الدعوى ومتابعتها والدفاع فيها واتخاذ الإجراءات التحفظية، وكل تصرف أو إجراء يقرر القانون أنه يحتاج إلى تفويض خاص،
وإذا تعدد الوكلاء، جاز لأحدهم الانفراد بالعمل في القضية، ما لم يكن ممنوعة من ذلك سند في التوكيل، وللمحامي اعتزال الوكالة في أي وقت ولا يجوز ذلك في وقت غير ملائم، وبالتالي فلا يصح الاعتزال إلا بعد موافقة المحكمة التي نظر في الدعوى، وبعد تبليغ الموكل عن طريق فرع نقابة المحامين المعني، ويجب أن يراعى دائماً أن المحامي ليس خصمة وليس له صفة في الدعوى سوى تمثيل موكله في الدفاع عنه وفقا لما تقتضيه قواعد مهنة المحاماة، وبالطريقة التي يراها مناسبة، وإن أي نزاع يتعلق بعمل المحامي هو نزاع على سلطته وليس على صفته، وتجدر الإشارة إلى  إن الحضور أمام المحكمة يغطي عدم صحة التبليغ.

Scroll to Top