شرح القاعدة الفقهية: الأصل براءة الذمة- مع أمثلة تطبيقية

محامي عربي

 الأصل براءة الذمة 

لأن الذمم خلقت بريئة غير مشغولة بحق من الحقوق، والذمة لغةً: العهد، واصطلاحاً وصف يصير الشخص به أهلاً للإيجاب له أو عليه  .

وعرفها البعض بأن الذمة وعاء اعتباري لاستقرار الحقوق ممن هو أصل للالتزامات، وهي تشغل بالحقوق في حياة صاحبها ولا تبقى بعد الموت إلا إذا ترك صاحبها مالا، وهي خلاف العهدة التي هي حافظة للحقوق وهي ظرف التكليف وتبقى بعد الموت مطلقاً .

ودليل مشروعية هذه القاعدة من الحديث الشريف : «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» [رواه البيهقي عن ابن عمر، فمن ادعى التزاماً على غيره أو حقاً فعليه الإثبات لأن الخصم يتمسك بحالة أصلية وهي براءة ذمته، فيكون ظاهر الحال شاهداً له ما لم يثبت خلافه .

والمراد بالأصل هو الحالة العامة التي هي بمثابة قانون مرعي ابتداءً بلا حاجة إلى دليل خاص عليه، ويعتبر مسلماً بنفسه.

عندما يتنازع خصمان وتتخالف مزاعمهما ، فيحتاج في فصل الخصومة إلى مرجح لترجيح قول على آخر، ولدى تتبع المسائل والنظر في وجوه الترجيح الأولية، يظهر أن الترجيح في مبدأ الأمر يكون بأحد شيئين هما: الأصل، ودلالة الحال  ، ويعرفان بالظاهر الضعيف لأنهما لا يصلان إلى درجة يطرح معها احتمال خلافهما .

والأصل وجوهه كثيرة منها :

الأصل بقاء ما كان على ما كان

الأصل في الأمور العارضة العدم، وفي الأمور الأصلية الوجود .

الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته.

الأصل في الكلام الحقيقة .

الأصل فيما جهل قدمه وحدوثه أن يعتبر قديماً .

الأصل في الوكالة الخصوص.

الأصل فيما لا يعلم إلا من جهة أحد الخصمين أن يقبل قوله بيمينه، كقبول قول المرأة في انقضاء عدتها أو عدم انقضائها .

الأصل في العقود أن تكون صحيحة ولازمة.

الأصل حين الاختلاف في بطلان العقد وصحته أن يكون باطلاً؛ لأن الاختلاف في البطلان معناه النزاع في وجود العقد وعدمه، والعدم هو السابق المعهود. وهذا التعليل مقيد بما إذا لم يكن ظاهر الحال شاهداً لمدعي الصحة .

الأصل حين الاختلاف في فساد العقد وصحته أن يكون صحيحاً؛ لأن  الاختلاف بالصحة والفساد معناه الطعن في سلامة العقد من الشوائب بعد تسليم وجوده وانعقاده، وصفة السلامة من العلل هي الحالة الأصلية للموجودات..

الأصل في الطلاق أن يكون رجعياً .

الأصل عدم وجود المانع للنكاح.

الأصل في الأبضاع التحريم.

الأصل عدم وصول النفقة.

الأصل عدم الإذن للتصرف بمال الغير .

الأصل بقاء الحق بعد ثبوته .

الأصل في العقود والإقرارات والإلزامات الطوع لا الإكراه. وغير ذلك كثير

ودلالة الحال أيضاً على وجوه منها :

وضع اليد : فيما لو ادعى شخصان ملك عين، فالقول قول ذي اليد.

تأييد مهر المثل : فلو اختلف الزوجان في مقدار المهر المسمى، فالقول لمن يشهد له مهر المثل ،بيمينه فإن كان مهر المثل كما قال أو أقل فالقول قوله، وإن كان كما قالت أو أكثر فالقول قولها .

 السعي بإسقاط واجب عن الذمة : فلو بعث زوج إلى زوجته شيئاً ثم اختلفا فقالت إنه هدية وقال : إني أرسلته من المهر، فالقول قول الزوج بيمينه في غير المعد للأكل .

 العمل بالظاهر وترك الأصل : كما في مسألة العنّين إذا ادعى الوصول إلى زوجته التي تزوجها بكراً وأنكرت الوصول وقال النساء إنها ثيب، فالوصول إليها أمر عارض والأصل عدمه، فيقدم الظاهر وهو الثيوبة، فكان القول للزوج .

العمل بالظاهر وترك البينة:

كأن يكون الظاهر قد وصل في الظهور إلى درجة اليقين القطعي، فإنه يترجح على البينة حتى لا تقام على خلافه .

فقد نصَّ الفقهاء على أن الوصي إذا ادعى أنه أنفق على اليتيم مبلغاً لا يكذبه فيه الظاهر فالقول قوله بيمينه، وإن كان مبلغاً يكذبه فيه الظاهر فلا يقبل فيه قوله ولا تقبل بينته على ذلك .

العمل بالظاهر وترك الإقرار كما لو أقر إنسان لمن كان مجهول النسب بأنه ابنه وكان لا يولد مثله لمثل المقر ، فإن الإقرار يبطل والبينة لا تقبل عليه لأن الظاهر يكذبه .

ومن هنا كان التقييد للمادة (۷۷) التي تقول : البينة لإثبات خلاف الظاهر، بأن المراد بالظاهر هو الذي لم يطرح احتمال خلافه.  .

ومن فروع هذه القاعدة:

لو أقر شخص بقوله إن فلاناً له عندي أمانة بدون ذكر مقدارها فيجبر المقر على أن  يبين ما هي الأمانة وما مقدارها، فإن ادعى المقرّ له الزيادة فالقول للمقِر مع اليمين؛ لأن الظاهر يؤيده من حيث إقراره بالمتيقن به، والبينة على المقر له لإثبات الزيادة.

ومنها : لو شك هل طلق أم لا ، لم يقع الطلاق ولو شك أنه طلق واحدة أو أكثر، بنى على الأقل إلى أن يستيقن بالأكثر، لأن الذمة لا تبرأ إلا بالمتيقن.

ومنها : ولو شك هل حلف بالله أو بالطلاق، فحلفه باطل، لأن الأصل براءة ذمته فلا يجب الكفارة بالشك.  .

كما مر أن الأصل والظاهر من المرجحات الأولية، أما وجوه الترجيح الثانوية فهي حجج الشرع الثلاثة البينة والإقرار والنكول عن اليمين  .

وقد زادت المجلة في مادتها (١٧٤١) إلى المرجحات الثانوية الأمارة القاطعة، كأن يقول لزوجته : إن سررتك فأنت طالق ثم ضربها فقالت: سررتني، لا تطلق ؛ لأن الضرب أمارة قاطعة على عدم السرور.

Scroll to Top