آثار بطلان عقد الشركة ونظرية الشركة الفعلية

آثار البطلان ونظرية الشركة الفعلية

نشأة الشركة الفعلية

إذا ما حكم ببطلان الشركة لأي سبب من الأسباب الموجبة للبطلان، فإنه وفقاً للقواعد العامة التي تحكم بطلان العقود، والتي قررها القانون المدني في المادة 143 منه بقوله

“في حالتي إبطال العقد وبطلانه يعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، فإذا كان هذا مستحيلا جاز الحكم بتعويض عادل”.

ولو أخذنا بهذا المبدأ لوجب علينا، في هذه الحالة، أن نعتبر أثر بطلان عقود الشركات منسحباً إلى الماضي فنقضي ببطلان جميع التصرفات الجارية في ظل عقد الشركة الباطل.

أي أنه يترتب على هذا البطلان امتداد أثره إلى الماضي منذ تاريخ انعقاد الشركة وعدم ترتيب أي أثر قانوني على تكوينها.

ولما كان من شأن تطبيق هذه القاعدة العامة تجاهل مراكز قانونية تمت فعلا وعلاقات قانونية نشأت مع الغير منذ نشأت الشركة حتى صدور الحكم بالبطلان؛ فقد استرعي انتباه الاجتهاد القضائي والفقه، خطورة هذا البطلان وتطبيقه على العقود المتتابعة وأهمها عقود الشركات، نظرا لكثرة العمليات التي تكون الشركة قد أجرتها، بوصفها شخصا اعتبارية، منذ وجودها فعلا حتى تاريخ إعلان بطلانها،

ورأى في ذلك مخالفة لمبدأ العدالة لما ينتج عن الأخذ بانسحاب أثر البطلان إلى الماضي من ضرر بالغير الذي تعامل مع الشركة المقرر بطلانها ومن ضرر بالشركاء أنفسهم.

فلو أردنا أن نعتبر عقد الشركة المقرر بطلانها كأنه لم يكن لوجب أن تعاد إلى الشركاء حصصهم في رأسمال الشركة بكاملها، دون حساب لما تكون الشركة قد خسرته أثناء قيامها، ولوجب أيضا عدم تطبيق القواعد التي اتفق عليها الشركاء في عقد الشركة من أجل تصفيتها وتوزيع الأرباح والخسائر بينهم، ولوجب أخيراً اعتبار جميع التزامات الشركة منذ بدئها بالعمل حتى إقرار بطلانها، باطلة أيضا.

أمام هذه الصعوبات القانونية التي قد تنجم عن بطلان عقد الشركة، وخاصة فيما يتعلق منها بالمحافظة على حقوق الغير، ولاسيما في حال وقوع خلافات بين دائني الشركة من جهة ودائني الشركاء الشخصيين من جهة ثانية، لذلك كان لابد للفقه والاجتهاد من إيجاد نظرية حقوقية كاملة الموضوع الشركات الفعلية.

ويلاحظ ضرورة ذلك بالنسبة لقانون الشركات الذي أغفل تنظيم وتصفية الشركات الفعلية، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 54 من قانون الشركات على أنه:

“يجوز أن تعامل شركة المحاصة التي تظهر تجاه الغير بهذه الصفة كشركة فعلية ويصبح الشركاء فيها مسؤولين تجاه ذلك الغير بالتضامن”.

على أن المادة / 4/ من قانون الشركات نظمت آثار البطلان في علاقة الشركاء في مواجهة بعضهم بعضا من جهة، وفي علاقة الغير مع الشركاء من جهة أخرى. وهذا ما سنتناوله بدراستنا بشكل مفصل لاحقا.

وقبل البحث في آثار البطلان وبالتالي القواعد التي تحكم الشركات الفعلية لابد من التمييز بين البطلان المطلق والبطلان النسبي لعقد الشركة من جهة، وبين الشركات الفعلية والشركات التي تنشأ بشكل فعلي من جهة أخرى.

 المطلب الأول – التمييز بين البطلان المطلق والبطلان النسبي لعقد الشركة

 أولاً – البطلان المطلق

يعد عقد الشركة باطلاً بطلاناً مطلقاً إذا كان محلها أو سببها غير مشروع كما لو كان القصد من تكوين الشركة الاتجار بالمخدرات أو البضائع الممنوع التعامل فيها أو القيام بنشاط محظور على الشركة كقيام الشركة المحدودة المسؤولية بأعمال التأمين أو التوفير أو المصارف.

 ويعتبر البطلان في هذا الخصوص من النوع المطلق الذي يجيز للشركاء كما يجيز للغير التمسك به، بل إن للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها.

ولا يصحح هذا البطلان بالتقادم لأنه من العيوب الدائمة.

والعبرة في تقدير مشروعة نشاط الشركة هي حقيقة ما تزاوله من أعمال وليس ما هو مدون بنظامها أو عقد تأسيسها.

كما تبطل الشركة في حال انعدام الرضا أو المحل أو لاستحالة تنفيذ غرض الشركة.

ويترتب على صدور حكم ببطلان الشركة اعتبار عقدها كأن لم يكن بالنسبة لجميع الشركاء، والتمسك بالبطلان في هذه الحالات حق لكل شريك في مواجهة باقي الشركاء.

أن البطلان مطلق في هذا الخصوص فإنه يجوز للشركاء مطالبة مدير الشركة باسترداد الحصص على أساس أنه ليس هناك ما يبرر احتفاظ المدير بحصص الشركاء رغم اشتراكه معهم في مخالفة القانون .

كما يفقد دائنو الشركة امتيازهم في تحصيل ديونهم من أموال الشركة بمواجهة دائني الشركاء الشخصيين ويتساوون في ذلك، إذ تعود الحصص التي قدمها الشركاء إلى ذمتهم المالية وتعد كأن لم تخرج منها.

ثانياً – البطلان النسبي (البطلان لعدم الكتابة أو الشهر)

يترتب على عدم كتابة عقد الشركة أو شهرها البطلان.

وقد اعتبر البعض أن هذا البطلان هو بطلان من نوع خاص، فهو ليس بالبطلان المطلق السابق ذكره أو النسبي، ذلك أنه يجوز تصحيح البطلان الناشئ عن عدم كتابة العقد ويصبح العقد صحيحاً ويحتج به في مواجهة الغير من يوم إتمام هذا الإجراء، طالما تم تصحيح العقد قبل الحكم بالبطلان .

ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى إمكان تصحيح هذا الإجراء أمام محكمة الاستئناف في الحالات التي تقتصر فيها محكمة أول درجة على الفصل في مسألة إجرائية دون المساس بالموضوع، كذلك قد يمنح القاضي أجلاً التصحيح البطلان، فإذا تم التصحيح خلاله فلا يحكم به.

على أن منح الشركاء مهلة للقيام بإجراءات الشهر يعد من الرخص المخولة لمحكمة الموضوع وأن عزوفها عن استعمال تلك الرخصة لا يعيب حكمها. 

ولا يجوز للشركاء الاحتجاج بالبطلان بسبب عدم شهرها في مواجهة الغير إذ لا يقبل إفادة الشريك من تقصيره وإنما يجوز التمسك بالبطلان من قبل الشركاء في مواجهة بعضهم بعضا (مادة 1/4 شركات).

ويختلف أثر هذا البطلان وفق من يطلبه، فإذا طلبه الغير كان له أثر رجعية وتعدو الشركة كأن لم تكن. أما إذا طلبه أحد الشركاء فإن الشركة لا تبطل في الفترة السابقة ما بين إنشائها وتاريخ قید دعوى البطلان في سجلات المحكمة (مادة3/4 شركات).

ويعد هذا تطبيقاً صريحاً النظرية الشركة الفعلية التي أسسها القضاء، وقد قصد المشرع بذلك وضع حد لعدم استقرار هذه الشركات وحماية الوضع الظاهر لجميع المتعاملين مع الشركة والذين يجهلون عدم اتباع المؤسسين الإجراءات التأسيس وفقا للقانون، وهو هدف يستحق هذه الحماية في الواقع لاستقرار المعاملات، خاصة وإن شهر الشركة يجب أن يرتب أثر قانونية على الأقل من حيث قيام شركة صحيحة في مواجهة الغير.

على أن هذا لا يمنع بطلانها لأسباب أخرى غير مخالفة إجراءات التأسيس كعدم توافر الشروط الموضوعية العامة أو الخاصة وفقاً للقواعد العامة التي لا يترتب على تخلفها بطلان الشركة بطلاناَ مطلقاً.

المطلب الثاني – التمييز بين الشركات الفعلية وبين الشركات التي تنشأ بصورة فعلية

لابد من التفريق بين الشركات الفعلية وبين الشركات التي تنشأ بصورة فعلية  ، فالشركات الفعلية هي الشركات التي تظهر للوجود بصورة مادية أي بعقد خطي ينظم بين الشركاء، فيبين العقد نوع الشركة وما وقع الاتفاق عليه بين الشركاء في صدد المساهمة في تكوين رأس المال المشترك وفي توزيع الأرباح والخسائر وتصفية الشركة، إلا إن رافق تأسيسها أحد العيوب التي أدت إلى بطلانها.

أما الشركات التي تنشأ بصورة فعلية فهي التي لا ينظم بها عقد خطي، ولا تتجه إرادة الأطراف فيها إلى تكوين عقد شركة، وإنما يستفاد وجودها من العمل المشترك الذي يرمي إلى اجتناء الربح.

وتظهر نية الشركاء في إيجاد شركة بينهم من الأعمال المشتركة التي يقومون بها والتي لا يمكن تفسيرها إلا بوجود الشركة.

وتظهر فوائد التمييز بين الشركات الفعلية والشركات التي تنشأ بصورة فعلية خاصة بالنسبة النوع الشركة وللقواعد المتبعة في تصفيتها.

فالشركات التي تنشأ بصورة فعلية تعد دائما من نوع شركات التضامن، في حين أن الشركات الفعلية يعين نوعها في العقد المقرر إبطاله، فقد تكون من شركات الأشخاص كما قد تكون من شركات الأموال.

القواعد التي تحكم الشركات الفعلية

لمعرفة القواعد التي تحكم الشركات الفعلية، لابد من بحث مسألتين الأولى وتتعلق بأثر عقد الشركة قبل البطلان وبعده، والثانية تتعلق بمدى احتفاظ الشركة الفعلية بشخصية اعتبارية وذمة مالية مستقلة.

المطلب الأول- أثر عقد الشركة قبل البطلان وبعده

أولا – بالنسبة للشركاء:

تعد الشركاء قائمة فيما بين الشركاء قبل المطالبة بإبطال عقد الشركة، وينتج عن ذلك أن جميع ما قام به ممثلو الشركة من أعمال يسري أثره على الشركاء، وإن من حق هؤلاء أن يقتسموا الربح إن وجد، كما أن من واجبهم أن يساهموا في الخسارة إن حصلت، وفقاً لما هو منصوص عليه في عقد الشركة، كما أنه تطبق القواعد التي نص عليها عقد الشركة من أجل تصفيتها وقسمتها، إذا حكم ببطلان الشركة، ويعد ذلك تأييداً من المشرع لنظرية الشركة الفعلية حيث يعترف بعقد الشركة وتنفيذ بنوده رغم الحكم ببطلانه.

وعليه فإن بطلان عقد شركة التضامن أو التوصية لعدم تسجيله أو شهره هو من قبيل حل الشركة قبل أن يحين ميعاد انتهائها وتتبع في تسوية حقوق الشركاء، في هذه الحالة، نصوص العقد استنادا إلى المادة 54 من قانون الشركات.

كما أنه إذا حكم ببطلان الشركة، وكان أحد الشركاء لم يقدم كامل حصته فعليه أن يفي رصيدها، مراعاة لشروط العقد.

على أن يستبعد من تطبيق شروط العقد الشروط المخالفة للقانون أو النظام العام.

ثانياً – بالنسبة للغير:

يتمثل الغير بكل من دائني الشركة وخلفائها الخاصين من جهة ودائني الشركاء الشخصيين وخلفائهم الخاصين من جهة أخرى.

وهذا يقتضي التمييز بين حالتين:

الأولى: الدائني الشركاء الشخصيين حق الخيار، فهم إما أن يحتجوا ببطلان الشركة أو يعتبروها صحيحة بالنسبة لهم.

فإذا تمسكوا بصحتها كان عقد الشركة نافذا بالنسبة للماضي وقائمة بجميع فوائده وموجباته.

أما إذا تمسكوا ببطلان الشركة فتعد الشركة كأن لم توجد أصلا .

الثانية: ويختلف فيها وضع دائني الشركة فيما لو كان النزاع قائمة بينهم وبين الشركاء أو الشركة من جهة، أو كان قائما بينهم وبين دائني الشركاء الشخصيين.

فإذا كان النزاع قائمة بين دائني الشركة وبين الشركاء أو الشركة، كان لدائني الشركة حق الخيار بين أن يعتبروا الشركة صحيحاً أو يحتجوا بالبطلان، فإذا فضلوا اعتبار الشركة صحيحة فإنهم يرجحون على دائني الشركاء الشخصيين، ويحق لهم إثبات قيام الشركة وشروطها ومن يديرها بكافة وسائل الإثبات بما فيها البينة الشخصية، وبالمقابل لا يحق للشركاء أن يحتجوا تجاههم ببطلان الشركة، كما ذكرنا سابقا.

أما إذا احتج دائنو الشركة ببطلان الشركة، فيعد الأشخاص الذين تعاقدوا معهم باسم الشركة مسؤولين بالتضامن عن الالتزامات الناتجة عن العقود المبرمة معهم، كما تعد الأموال المشتركة في هذه الحالة ملكة شائعة بين الشركاء، ويقوم دائنو الشركة بالتنفيذ عليها بالتزاحم مع دائني الشركاء الشخصيين. وتزول التأمينات التي حصل عليها دائنو الشركة فيصبحون في حكم الدائنين العاديين للشركة.

وإذا تمسك بعض الغير بصحة الشركة وآخرون ببطلانها، رجح البطلان، إذ يتعذر تكريس وجود الشركة وصحة تصرفاتها قبل الحكم بالبطلان، كما أنه كان باستطاعة الغير تبين أسباب البطلان فيما لو بذلوا العناية الكافية في الوقوف على أوضاع الشركة.

وإذا احتج دائنو الشركة بالبطلان بالنسبة للشركاء فليس لهم في هذه الحالة، الاحتجاج بصحة الشركة تجاه دائني الشركاء الشخصيين لعدم جواز تجزئة البطلان.

الشخصية الاعتبارية للشركة الفعلية

ذهب الاجتهاد القضائي الفرنسي إلى عدم الاعتراف للشركة الفعلية بشخصية اعتبارية، وبالتالي بذمة مالية مستقلة عن ذمة الشركاء .

ورتب على ذلك أنه ليس لدائني الشركة حق أفضلية بالنسبة لدائني الشركاء الشخصيين على موجودات الشركة في استيفاء ديونهم، وتوزع هذه الموجودات، قسمة غزماء، بين دائني الشركة ودائني الشركاء الشخصيين، كما يحق لدائني الشركاء الشخصيين أن يعارضوا في شهر إفلاس الشركة الفعلية إذ يؤدي شهر الإفلاس إلى منح دائني الشركة حق أفضلية بالنسبة لدائني الشركاء الشخصيين.

ونرى بأن المشرع السوري حاد عن هذا الموقف عندما أجاز للغير الحق في التمسك بوجود الشركة ومطالبتها بتنفيذ الالتزامات التي رتبتها العقود عليها ، وبذلك فقد اعترف لها المشرع بالشخصية الاعتبارية إلى أن تصفى وبالقدر اللازم لتصفية أعمال الشركة التي حكم ببطلانها وذلك حتى تتمكن من تأدية كل ما يلزم من تصرفات خلال فترة التصفية.

وبناء على ذلك يجوز شهر إفلاس الشركة التي حكم ببطلانها إذا ما توقفت عن دفع ديونها التجارية سواء أكان ذلك التوقف عن الدفع سابقاً أو لاحقاً للحكم بالبطلان. وقد ذهبت محكمة النقض المصرية في هذا الاتجاه عندما قررت بأنه :

” إذا كان الثابت في الدعوى أن الشركة القائمة هي شركة تضامن لم تشهر ومن ثم فهي شركة فعلية وبالتالي فإن الشخصية المعنوية تثبت لها بمجرد تكوينها وتكون حصة الشريك في مالها غير شائعة” .

كما أن الحكم بشهر إفلاس هذه الشركة يستتبع شهر إفلاس الشركاء المتضامنين فيها.

وطبقا لما جاء في قانون الشركات بالمادة 4 التي تقضي باعتبار الشركة صحيحة بين الشركاء حتى تاريخ إقامة دعوى البطلان فإنه لا شك في اعتبار وجود شخصية للشركة خلال فترة وجودها الفعلية وحتى تاريخ إقامة الدعوى.

Scroll to Top